كما نعرف منذ عشرات السنين، أو منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، نحيي في الثلاثين من آذار من كل عام "يوم الأرض"، وهو اليوم الذي يحمل المعاني والرموز والذكريات، ويؤكد التلاحم بين أبناء الشعب الفلسطيني، في داخل الخط الأخضر والضفة وغزة والقدس والخارج.
وهو اليوم الذي يعني الحفاظ على الأرض وما تحويه من ثروات طبيعية وبشرية وتراثية، وبالتالي منع تلوثها والحفاظ على خصوبتها ومنع تداعيها.
ولكن وفي خضم الاحتفالات والذكريات والمهرجانات والمسيرات التي ترمز للحفاظ على الأرض، من المفترض أن نعمل على استغلال هذه الأرض، وما تشمله من تربة ومياه وتنوع حيوي وحيز، من أجل الإنتاج ومن أجل الاعتماد على الذات والبقاء، وتحقيق التنمية المستدامة، أي التنمية التي لا تستنزف الأرض، وهذا يعني استغلال الأرض بأفضل الوسائل والمجالات، ومنها قطاع الزراعة، كقطاع إنتاجي، من الدعائم الأساسية، والمستدامة للاقتصاد الفلسطيني.
ويحل "يوم الأرض" ونحن نقرأ تقارير محلية ودولية، تشير إلى أن مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي قد تقلص إلى أكثر من النصف، أي من حوالي 9% في عام 1999 إلى أقل من 4% في عام 2015، وبما أن هذه التقارير قد أشارت إلى أن من الأسباب لذلك، القيود للوصول إلى الأرض والمياه، خاصة في المنطقة أو الأرض الفلسطينية المصنفة "ج"، إلا أن هناك أسبابا أخرى، يمكننا التحكم بها، ومن خلالها يمكن إيلاء الاهتمام المطلوب للأرض ولهذا القطاع الإنتاجي المهم، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك في تحقيق الأمن الغذائي والاعتماد على الذات، من حيث توفير المنتج الوطني، وبالتالي الحد من الارتفاع المتواصل في الأسعار، والأهم ومن خلال زيادة الإنتاج العمل على تشغيل المزيد من الأيادي العاملة.
وبمناسبة يوم الأرض، والاهتمام بالأرض، وبالتالي الاهتمام بالزراعة في هذه الأرض، فإن هناك إجراءات أو وسائل دعم من الممكن القيام بها في هذا الصدد، منها التسهيلات الضريبية للعاملين في الزراعة، وتوفير المواد التي تتطلبها الزراعة الحديثة من بلاستيك وأسمدة ومبيدات آمنة أو غير خطيرة، والمزيد من الإرشاد الزراعي بأنواعه المختلفة، والذي لا يكفي الموجود منه حالياً، والإرشاد فيما يتعلق باختيار المحصول المناسب للأرض، والإرشاد حول استعمال الكيماويات في الزراعة، والإرشاد فيما يتعلق بالقطف والتسويق.
وكذلك الدعم ليشمل المزيد من التخطيط الزراعي والنظرة الوطنية لذلك من حيث استخدام المياه والأرض، ومن حيث الاستهلاك المحلي أو التصدير، ومن حيث فتح الأسواق الخارجية، ومن حيث التنسيق لحماية المنتج الوطني، سواء من خلال العطاءات أو إصدار المواصفات أو الفحوصات المخبرية، والدعم يشمل التوجه نحو الأبحاث العلمية التطبيقية، التي تعمل على تبيان خاصية التربة، وتربط ذلك مع تلبية حاجات القطاع الزراعي وحل مشاكلة المحددة، والعمل على إيلاء التدريب الزراعي الأهمية، بدءاً من المدارس وحتى الكليات المتخصصة، والعمل على تقديم الحوافز والضمانات للقطاع الخاص للتوجه وللاستثمار في الزراعة، وكذلك العمل على إزالة تلك النظرة غير المنطقية، إلى القطاع الزراعي بأنه ليس أولوية وليس مربحاً وليس بالخيار الأول للعمل أو للاستثمار فيه.
ومن المعروف أن منطقة الأغوار، الذي تمتاز تربتها بالخصوبة العالية، قادرة على إنتاج محاصيل متنوعة، للاستهلاك المحلي وللتصدير، وهي تحوي حوالى ثلث احتياطات الضفة الغربية من المياه الجوفية، وتشكل حوالي 46% من المناطق المصنفة "ج"، وعلى الرغم من أن هناك عوائق إسرائيلية للوصول إلى الأرض في الأغوار ومن ثم استغلالها، إلا انه ورغم الحديث المتواصل عن أهميتها للاقتصاد الفلسطيني، وللدولة الفلسطينية، يبدو أننا لم نقم بالمطلوب نحوها، ولم نقم بإنشاء هيئة وطنية لتطوير أو لدعم الأغوار مثلا، حيث أشار احد التقارير الدولية، إلى أن إنتاج المستوطنات الإسرائيلية في منطقة الأغوار الفلسطينية فقط يصل إلى حوالي 500 مليون شيكل سنويا، وحسب التقرير فإن منطقة الأغوار يمكن أن تدر للاقتصاد الفلسطيني، حوالي مليار دولار سنويا، إذا تم استغلالها بالكامل، أي إذا تم إزالة العوائق الإسرائيلية، فدعنا نفترض أننا وفي يوم الأرض، قد قمنا باعتبار ذلك أولوية وطنية، وباشرنا العمل من اجل تحقيق ليس الاستغلال الكامل، ولكن استغلال نسبة معينة من هذا البقعة الحيوية.
وفي ذكرى "يوم الأرض"، لا شك بأن هناك العديد من الخطوات التي يمكن القيام بها لدعم الأرض والحفاظ عليها، وبالتالي لدعم القطاع الزارعي الفلسطيني كقطاع إنتاج حيوي للاقتصاد ولدر العملات الصعبة وللحفاظ على توفر الإنتاج وعدم رفع الأسعار وبالتالي الأمن الغذائي والاجتماعي، والذي بدوره يؤدي إلى توفير المزيد من الفرص للعمل، وإلى الحفاظ على الأسعار، وإلى توفير المنتج الوطني، والأهم إلى تحفيز القطاع الزراعي كقطاع إنتاجي مستدام.