اصبح الانسان كأنه "مضروب على رأسه" !!
لا يعرف كيف يفهم هذه التقلبات السريعة والمجنونة ..كيف يحللها ويفككها..كيف يعيد تركيبها.. وكيف يخرج منها برؤية منسجمة تخرجه من حالة الحيرة والاضطراب !!
اصبحت المنطقة خطرة ..مشتعلة , تغص" باللاعبين الكبار : الامريكان ,الروس ,الايرانيين والاوربيين والاتراك .لم يعد هناك متسع للاعبين الصغار ..اما لاعبي الاحتياط فهم كثر !!
نشرة "الطقس السياسي " تتبدل كل يوم , بل كل ساعة ..من غائم ممطر ..الى عاصف الى بارد ..الى حار..الى ارتفاع/ انخفاض في معدلات درجة الحرارة السياسية عن معدلها الطبيعي !!
اختلطت الاعلام والالوان ..تزاحمت التحالفات, تشاكست المصالح ..وانقلبت الموازين , وارتد الكثير من الحكام عن شعوبهم , وكما قال راشد الغنوشي, فانه "اصبح لدينا حكام يريدون ان يحكموا بلا شعوب" !!
** ملعب مزدحم
من كثرة ازدحام الملعب السياسي, فانك لا تستطيع معرفة اتجاهات الكرة ولا تنقلاتها , ولا تمييز الحكام من اللاعبين , ولا الاهداف من حركات التسلل , ولا الفائزين من الخاسرين , لكن يمكنك التأكد ان الحالة العربية ,التي تهاوى لاعبوها وتمزقت شباكها وغاب حارس مرماها ,هي التي تدفع ثمن دمويا وسياسيا مكلفا .
دخل الامريكان لضرب مقرات (الارهاب) ثم خرجوا ليتفرجوا على المشهد من بعيد .....بعدها تقدم الاوروبيون على استحياء "للمشاركة " في ضربات ناعمة ثم تراجعوا .. هجم الايرانيون ثم افسحوا الملعب للروس!!
نزل الروس .. "خربطوا "المعادلة على الارض .. عززوا قوة النظام السوري ..ثم اعلنوا فجأة انهم ينسحبون !!
"داعش" تخرج لسانها امام القوى الكبرى!! تسوق في قطار القتل وفتح الجبهات ولا تعرف الى اين ستصل بعد هذه التلال من الجماجم وسفك الدماء .. أي دولة ستبنيها واي خلافة ستحييها ؟!!
الجولات السياسية في جنيف تشعرك انها مضيعة للوقت , وانها تعطي زمنا اكبر لتدمير سوريا حتى لا يبقى حجر على حجر ,وبقيت الامور تتراوح بين معضلة الانتقال السياسي وبين الحرب الدموية الطاحنة.
الحراك السلحفائي للمبعوثين الدوليين في سوريا وليبيا واليمن شجعت سماسرة الاسلحة وتجار الدم على اغراق الانظمة والجماعات بتكنولوجيا الموت حتى يملأوا جيوبهم بالأموال .
تخيلوا كم صرفت من اموال ,وكم استنفذت من اسلحة وذخائر ..وكم قتل ابرياء وسفكت دماء ..وكم دمرت مدن وقرى ..وكم هجر وشرد أناس عن ديارهم !! لأي هدف كل هذا الجنون ؟؟
تقسيم سوريا امر قائم ..وتقسيم العراق تحت الدراسة ..وتمزيق ليبيا ليس بعيدا , والحالة برمتها تسير جبرا الى مسار ضعف وتفتيت.
الاكراد وجدوها فرصة للتسلل وسط حالة الفوضى والاعلان عن كيان مستقل..
الحرب الطائفية وجدت لها موطئ قدم ,ومحترفو الثورات المضادة انتعشوا من جديد !!
تركيا ,القوة السياسية والاقتصادية الصاعدة, اصبحت محل استهداف "دولي " من خلال التفجيرات المروعة لإنهاكها واخراجها من دائرة المعادلة الاقليمية ..
وايران –التي دخلت عل المناطق الساخنة في العالم العربي – تحولت الى محل نزاع حاد واشتدت درجة العداوة لها..!!
مصر تتعرض الى حالة اجهاد سياسي /امني / اقتصادي ,وربما تشهد تحولات جذرية ,
حزب الله الذي تألق بريقه في فترة ما اصبح "ارهابيا " بقرار عربي ..
التفجيرات الدموية في باريس وبروكسيل اشعرت ان الثعبان دخل في "عب "الاوربيين, في اشارة الى ان سياساتهم الخاطئة في معالجة قضايا الشرق الاوسط جلبت النار الى عقر دارهم .
الله اعلم الى اين تؤدي بنا هذه الحافلة المحترقة !!
** فلسطين الغائبة
الحالة الفلسطينية تنوء تحت وطأة الانقسام وفشل المصالحة وضعف السلطة وانهيار الافق السياسي .. لا شيء يبهج !!
جون كيري حمل عصاه الى المنطقة ثم خرج حاسرا ..تشجع الفرنسيون ولوحوا بمبادرة تقلب الموازين فاذا بها خاوية على عروشها ..
بعد ثماني سنوات في البيت الابيض ,خرج اوباما –كسابقيه بوش وكلنتون- ليقول انه عجز عن ايجاد حل للصراع بين الفلسطينيين والاحتلال ..صح النوم !! ,(بمعنى انهم سرقوا 24 سنة من عمر قضيتنا في الكذب والمماطلة ).
ترامب وكلينتون يتسابقون في مغازلة اسرائيل حتى احمرت وجنتاها من الخجل !!
نحن على موعد مع أربع/ ثماني سنوات امريكية عجاف .
الاوروبيون "يعارضون" اسرائيل على استحياء ..يضعون علامة على منتجات المستوطنات , لكنهم يتركونها تكبر وتسمن على اعينهم ..ثم يعدون الفلسطينيين بحل الدولتين (اليس هذا مضحكا) !! هم يعلمون انه اصبح في حكم المستحيل ,لكن يعزيهم /يغريهم ان الرئيس ابو مازن لا يزال ينتظر قطرة ماء وسط صحراء سياسية حارقة !!
قضية الهجرة الى اوروبا تشغلهم اكثر من قضية لاجئينا الذين مضى على تشردهم ستة عقود واكثر.
ابو مازن ,المنتظر دوما على رصيف الصبر السياسي, يأمل ان تهب رياح تحرك السنين الراكدة دون جدوى ..لا يزال يعيش على أمل/وهم بينما البساط يسحب من تحت قدميه !!
لا احد يأبه ..لا احد يكترث .
المصالحة العجوز تصارع الموت في غرفة العناية المركزة ,تنتظر من يمدها بحبل من الناس !!
رؤوسنا (داخت) من كثرة الدوران بين القاهرة والدوحة وغزة ورام الله ..
حماس ,وسط هذا البحر المتلاطم, تصمت كثيرا لان في فمها ماء !!
تزحزحت علاقتها بمصر قليلا ,وعلاقتها بإيران بين المد والجزر ..والتناقض العربي لا يسمح لها ان تنفذ من هذه الافخاخ والشباك المنصوبة .
واقعنا مؤلم ,مغذ للإحباط ..ذاهب للمجهول ..لكن هناك من يحاول ان يزين الصورة أو يضع وردة على تلال الفشل !!
الانتفاضة تمثل بصيص ضوء وسط هذا الضباب العادم للرؤية ..لكن بحاجة من يفهمها ,,يتعهدها ويضعها في مسارها الصحيح .
**(اسرائيل) الرابحة!!
(اسرائيل) المبتهجة حتى الثمالة بتعكر الجو السياسي , تتمطى و"تتمغط " وتتنفس الصعداء .هي المستفيدة من حالة الهذيان /الجنون التي تكفل لها ان تستثمرها في تحصين مصالحها واعادة تركيب تحالفاتها واضعاف اعدائها .
المضحك المبكي انها اصبحت تزاحم على دس نفسها وسط التحالفات الكبرى لمحاربة "الارهاب ,وتسوق نفسها على انها رائدة في هذا المجال (انظر رسالة نتنياهو الى رئيسي وزراء تركيا وبلجيكا)"!!
اسرائيل ضمنت استبعاد/خروج دول عربية كبرى من الصراع ..وضمنت صمت المجتمع الدولي عن جرائمها ...كما ضمنت ان الانقسام الفلسطيني يمنحها حالة استرخاء طويلة,مع منعش للهواء !! لذا فانهم نشطوا في بناء المستوطنات بسرعة جنونية وتكثيف الاعدام الميداني ومحاصرة القدس بشكل غير مسبوق.
لا احد يسأل ,لا احد يعاتب هذا الطفل المدلل !!
** لتسقط عقلية المكابرة !!
الفلسطينيون , الجهة الاكثر عريا وتعرضا للنزلات الحادة,امست قضيتهم في ذيل الاولويات الدولية بعدما زاحمتهم الازمات العربية واسعار النفط والهجمات على عواصم اوروبا !!
ماذا يمكن أن نصنع نحن الفلسطينيون وسط هذه العواصف الهوجاء ؟؟
كيف نجمع اوراقنا المتطايرة في هذه الريح الصرصر العاتية ؟؟
هل هي عقلية المكابرة التي تحكمنا باننا "بخير " وان العالم معنا ؟؟
هل نخدع انفسنا وندغدغها بان فلسطين على رأس الاولويات العربية والدولية وانه ليس بيننا وبين اعتاب الدولة/القدس الا مرمى حجر ؟؟
الم يئن الاوان لقطع دابر هذا الوهم المخادع..هذا الانقسام (السرطان) الذي يعشش داخلنا ويجعلنا عديمي القدرة فاقدي البصر ..زوائد على الخارطة السياسية !!
هل ان الاوان لان نستخدم عقلنا السياسي (المجرد) في قراءة الخارطة جيدا وتدقيق الحسابات السياسية ومراجعة الفواتير وتصحيح الاخطاء , ومن ثم الخروج برؤية واقعية تقنع شعبنا ان هناك من يدير الدفة في الاتجاه الصحيح ؟؟
كثيرا ما تخوننا الشجاعة ويقيدنا الوهم !!
أسئلتي الكثيرة المرهقة والمشاغبة –والتي يسألها مثلي الالاف ,تزعج وتجرح , تلح كثيرا دون اجابات.
ربما نبقى طويلا في بحر الاسئلة ..في صحراء التيه ..في عالم المجهول, ما لم تصح القيادات من غفوتها ..من اوهامها ,ومن انتظارها الممل, وما لم تمتلك الشجاعة والجرأة لتخرج عن النص وتتمرد على الوهم وتقدم دواء لهذه الامراض المستعصية التي تفتك بالجسد الفلسطيني.
الشعب ينتظر من القيادات حلولا لا شكوى..
سياسة التبرير ورمي الكرة في الملاعب الاخرى لم تعد مقبولة ولا مستساغة .
جدوا لنا مكانا على الخارطة قبل ان نجد أنفسنا في "المشتري" !!