جيش إسرائيل وجيش المستوطنين

ehtilal_44
حجم الخط

بقلم: يغيل ليفي

حادثة الاعدام في الخليل والحملة الجماهيرية التي تتصاعد بشأنها لا تقتصر فقط على الصراع ضد أوامر اطلاق النار، بل هي تعكس تغيرا بنيويا أساسيا أدى منذ بداية سنوات الألفين لنشوء جيشين بشكل تدريجي.

الجيش الرسمي هو الجيش الذي يخضع لسلطة سياسية عن طريق القيادة رفيعة المستوى. ويعمل هذا الجيش حسب فهمه، وأنه أداة لتنفيذ السياسة التي يضعها السياسيون.

والى جانبه ينشأ في الضفة الغربية جيش شرطي خاضع للوهلة الاولى للسلطة السياسية، ولكن بشكل جزئي. انتشاره في الضفة سبّب له شيئاً يشبه «المليشيا الصهيونية» كقوة تضع السياسة التي تشذ في احيان كثيرة عن السياسة الرسمية.

صحيح أن جيش الشرطة خاضع للتسلسل القيادي الرسمي، لكنه يتصرف كجيش مغروس في جالية المستوطنين. دوره الرسمي هو فرض القانون في الضفة، لكن القوات ملزمة أولا وقبل أي شيء بحماية المستوطنين. لذلك تطورت داخله ثقافة تنظيمية تجد تعبيرها أكثر من مرة في جرّ الأرجل عند الحديث عن تطبيق القانون على المستوطنين وتجاهل الاخلالات بالقانون وعنف المستوطنين الذين نشأت في اوساطهم ظاهرة «تدفيع الثمن» والبؤر الاستيطانية غير القانونية، اضافة الى اخفاء المعلومات والتسريبات وغيرها.

في هذا الجيش تتشوش الحدود بين الوحدات الرسمية والمليشيات المسلحة للمستوطنين التي تعمل برعاية القيادة المحلية. كثيرون ممن يخدمون في جيش الشرطة وقادتهم هم من المستوطنين، خريجي المعاهد الدينية، حيث تعلموا أن مهمتهم الاساسية هي الدفاع عن مشروع الاستيطان.

اولئك الذين تلقوا تعليما مختلفا يتعرضون خلال خدمتهم العسكري الى عملية «اعادة تعليم» من خلال العلاقة الاجتماعية مع المستوطنين، بمساعدة العملية التعليمية اللافتة للحاخامية العسكرية، والتي تعتبر أن الفلسطيني «عمليق» وأن دمه مباح أو أنه أدنى من الجندي.

عدد كبير من الجنود المتطوعين في كتيبة «كفير» ووحدات حرس الحدود يصلون الى الخدمة مع استعدادية قومية عالية. لقد فهم القادة منذ زمن أن نجاحهم سيقاس بقدرتهم على انهاء مناصبهم دون صراع مع المستوطنين. وليس فقط بمستوى ولائهم لقيادة الجيش الرسمية. على مدى السنين نشأت الصورة الخاطئة وهي أن نشوء جيش الشرطة أعاق قدرة الجيش الرسمي على فرض النظام والقانون على المستوطنين، حيث إن عمله ضد الفلسطينيين أكثر نجاحا.

عملية الاعدام والحملة بشأنها تظهر صورة اخرى. تثبت العملية الفجوة بين المسؤول وبين الوحدات. تحاول القيادة رفيعة المستوى فرض أوامر اطلاق نار مكبوحة نسبياً انطلاقاً من الرغبة في الحفاظ على ما يسمى الانتفاضة الثالثة على نار هادئة نسبياً وكسب الوقت حتى العملية السياسية ومنع انتشار الانتفاضة وانهيار السلطة الفلسطينية. إنها قيادة حكيمة لا تريد الانجرار الى مواجهة عسكرية.

في المقابل، هناك وحدات تختلف في ثقافتها ومنطقها وافعالها وجاهزيتها. كيف يحدث الاعدام في ظل وجود قادة. في الجيش الذي يعتمد على التجنيد التطوعي بشكل جزئي وليس فيه تجنيد اجباري يكون للجنود فيه قدرة على الجدال أمام قائد رفيع المستوى، بغطاء وتأييد العائلات والمؤيدين السياسيين. وفي هذه الحالة ايضا المساعدة من الصهيونية الدينية. هذا ليس صراعاً على صورة الجيش فقط، بل على مبدأ وجوده كجيش موحد.

عن «هآرتس»