وجهت المحكمة العليا الإسرائيلية، أمس، صفعة شديدة لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في مسألة صيغة الغاز التي حاول تمريرها بالاتفاق مع شركتي «نوبل إنرجي» و«ديلك» بشأن تطوير حقل «لفيتان» في عرض البحر المتوسط.
ورفضت المحكمة العليا البند المركزي في الصيغة والمتعلق بـ«الاستقرار»، الذي يضمن لـ «نوبل إنرجي» ألّا تقْدم الحكومات الإسرائيلية في العقد ونصف العقد المقبلين على تغيير بنود الاتفاق.
وأعادت المحكمة الإسرائيلية الصيغة إلى الكنيست، بوصفها «ممثل الشعب»، لإقرار الاتفاق على شكل قانون.
وكان نتنياهو تهرّب من عرض الصيغة على الكنيست، لعلمه بضعف سيطرته عليها، جراء ائتلافه القائم على غالبية صوت واحد في البرلمان.
وفتح القرار الباب أمام العديد من وزراء وأنصار نتنياهو لشن حملة على المحكمة العليا، وادّعاء أنها بقرارها قتلت «حلم إسرائيل» في التحول إلى إمارة نفطية وأعاقت تطوير الاقتصاد.
ومعروف أن إسرائيل تعاني منذ اكتشاف حقل «لفيتان» من صراع مرير بين من يريدون التسهيل على تطوير حقل «لفيتان» لأغراض استراتيجية، حتى لو كان ثمن ذلك انتفاخ جيوب الرأسماليين، وبين من يعتبرون الغاز ثروة لكل الجمهور ينبغي أن تعود عليه أساساً بالنفع.
ولم يحدث الانقسام في الحلبة السياسية الإسرائيلية بشأن الغاز على قاعدة ائتلاف ومعارضة، وإنما على أساس معايير أخرى.
وبرزت الأزمة أولاً حين رفض وزير الاقتصاد أرييه درعي تجاوز موقف المسؤول عن الاحتكارات، وإقرار الصيغة التي أبرمتها وزارة الطاقة مع شركة «نوبل إنرجي». واضطر ذلك نتنياهو إلى تأجيل البت بالصيغة وتنفيذ عملية التفافية، ابتعد فيها درعي عن وزارة الاقتصاد وتم تمرير الصيغة.
وبعد ألاعيب في الحكومة والكنيست، وصلت الصيغة إلى المحكمة العليا التي رفضتها أساساً بسبب بند «الاستقرار»، والذي تم الاتفاق عليه، من دون إقرار ذلك بتشريع من الكنيست.
وقد اتُخذ قرار المحكمة العليا بغالبية أربعة ضد واحد، ومنحت المحكمة الحكومة مدة عام لإلغاء الصيغة وإعادة ترتيب الأمور. وكان جوهر قرار المحكمة الإسرائيلية إبلاغ نتنياهو وحكومته بأنهم «بالغوا» في تجاهل الجمهور والكنيست، واعتبار الصيغة «تجاوزاً للحدود المسموحة في دولة ديموقراطية».
ولهذا السبب، اعتبر نتنياهو أن القرار «غريب وسيلحق بنا أضراراً اقتصادية»، في حين أن وزير الطاقة يوفال شتاينتس، اعتبره «قراراً بائساً».
ولكن وزراء آخرون اندفعوا نحو المطالبة بتشريع يقلص صلاحيات المحكمة العليا ويمنعها من التدخل في إدارة شؤون الدولة.
ويعود جوهر الخلاف إلى رفض نتنياهو منذ البداية وضع صيغة الغاز في عهدة الكنيست، معتبراً أن ذلك يضر بقدرة إسرائيل على جلب الاستثمارات.
ولكن الكثير من القوى السياسية والمجتمعية في الدولة العبرية اعتبرت أن نتنياهو يخدم في موقفه أصحاب الفضل عليه من الرأسماليين الذين يعاشرهم.
ورأى هؤلاء في الصيغة تعبيراً عن تغوّل الرأسمال في علاقته مع أصحاب السلطة. ولذلك، سارت التظاهرات ورُفعت الالتماسات ضد الصيغة.
ورأى خبراء في شؤون الغاز أن قرار المحكمة الإسرائيلية عرقل تطوير حقل «لفيتان» لمدة عام على الأقل. لكن خبراء آخرين قالوا إن عدم تمرير صيغة الغاز قضى على أحلام إسرائيل في التحول إلى إمارة نفطية واستغلال الغاز لتحقيق منافع سياسية استراتيجية. لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك أن القرار أظهر أن المحكمة العليا في إسرائيل قادرة على الوقوف في وجه الحكومة ورئيسها، حتى في ظل ضغوط هائلة، وبالتالي حافظت المحكمة على استقرارها واستقلالها.
وكان جلياً أن المحكمة ابتعدت عن مناقشة التفاصيل وركزت فقط على «حدود صلاحيات الحكومة في النظام الديموقراطي».
وبعد صدور القرار عمت الفرحة أوساط المعارضين لصيغة الغاز والمعارضين للحكومة التي ثبت فشلها في إدارة مسألة على هذه الدرجة من الأهمية للاقتصاد والدولة. ولاحظ خبراء أن عجز نتنياهو عن تمرير صيغة الغاز التي اعتبرها معركته الشخصية سوف يقوده قريباً إلى إجراء تعديلات في حكومته على أمل أن يوسعها وأن يوفر لنفسه قدرة أكبر على إدارة الدولة. ومما يشجعه على ذلك عجزه في الكنيست حتى مساء أمس عن تمرير صيغة «تعليق العضوية» للنواب المشاكسين.
في كل حال، من المتوقع أن تبدأ الحكومة وممثلوها مناقشات موسعة مع شركات الغاز بحثاً عن حلول مقبولة لديهم تعوّض عن بند «الاستقرار»، الذي رفضته المحكمة العليا. كما ستبدأ الحكومة الإسرائيلية مناقشات جس نبض في الكنيست، وخصوصاً اللجنة الاقتصادية لرؤية وجهة الأمور.
وتعاملت الشركات صاحبة الامتياز في «لفيتان» بحذر مع قرار المحكمة العليا، وقالت إنها معنية بمواصلة التفاوض مع الحكومة حول صيغة جديدة. لكن هذه الشركات قالت إنها حتى إن تخلت عن بند «الاستقرار» فإنها ستظل تطالب الحكومة بعدم تنفيذ أي تغيير إجرائي في قطاع الغاز طوال أكثر من عقد من الزمان.
وتستند هذه الشركات إلى أنها في حاجة لاقتراض مليارات الدولارات لتطوير الحقل وهي لن تستطيع الحصول على ذلك من دون ضمانات استقرار لمدى طويل.
ومع ذلك حذرت شركة «نوبل إنرجي» من أن قرار المحكمة العليا الإسرائيلية يعرقل لمدة عام تطوير حقل «لفيتان».
وقال المدير العام للشركة ديفيد ستوفر إن «القرار مخيّب للآمال ويعرّض للخطر فرص تطوير حقل لفيتان. فبند الاستقرار بقي شرط الحد الأدنى وعلى حكومة إسرائيل أن توفر حلاً بأسرع وقت ممكن».
وأكد «أننا سندافع بشدة عن حقوقنا المتعلقة بأملاكنا».