ينبغي السماح للشرطة العسكرية بالتحقيق، ولكن أساس الادلة (والجثة) وعلى رأسها الشريط الذي تقشعر له الابدان تستلقي أمامنا. ينبغي أن يحصل شيء ما دراماتيكي، شهادة تغير الواقع، دليل حاد وواضح، كي لا ترفع لائحة اتهام خطيرة ضد الجندي مطلق النار من الخليل. فالمادة التي جمعت تشير الى اتجاه الاشتباه بجريمة القتل مع سبق الاصرار. في قضية الخط 300، حين أمر رئيس المخابرات، أبراهام شالوم، رجال وحدة العمليات بقتل «المخربين» بعد مهاجمة الباص المخطوف، جندت في البداية الرقابة العسكرية في محاولة للتعتيم على القصة. وبعد ذلك استبدل المستشار القانوني للحكومة. وعندما لم يجدِ هذا نفعا، جند الرئيس حاييم هرتسوغ للعفو عن المشاركين قبل ان يحاكموا. هذه المرة نجد أن تجند اليمين المتطرف والمنافسة بين نتنياهو وبينيت في التزلف لناخبيهما فظ لدرجة انه لا حاجة لمثل هذه الخطوات. من ناحيتهم لا يوجد وضع يكون فيه جندي يهودي قاتل. فقد «اخطأ»، «زل»، ولكنه لم يقتل؟ «أجننتم؟» مثلما كتب بينيت. من المشكوك فيه أنه في الاجواء العامة الحالية سيكون بوسع النيابة العامة العسكرية أن تبقى مستقلة وموضوعية وتلقي قنبلة كهذه في جدول الاعمال. الكثير من الكلمات سكبت في الايام الاخيرة على الحدث بل وستسكب أيضا. ملاحظتان مهمتان يصعب ان نوفقق بينها. الاولى، الكل يتحدث عن الضرر الذي تلحقه هذه القضية بصورة اسرائيل، ولكن قلة يتحدثون عن ان الحديث يدور عن جريمة خطيرة للغاية في سجل القوانين وفعلة غير أخلاقية للغاية يمكن للانسان أن يرتكبها. لا يدور الحديث عن «من نهض ليقتلك اسبقه واقتله» بل عن جريح مستلق بلا وسيلة على الطريق، يوشك أن ينقل الى المحاكمة والى سنوات طويلة في السجن. في 2004 اعترف رئيس المخابرات بانه اخطأ في قضية الخط 300. وماذا كان الخطأ؟ أن أمر بقتل «المخربين» رغم أنه كان هناك مصورون. ولا كلمة عن الندم على القتل الذي أمر بتنفيذه، جريمة حرب ورط فيها مرؤوسيه والجهاز الذي يقف على رأسه (الى جانب أعمال الطمس الاخيرة والحبكة التي اعدها ضد اسحق مردخاي). الملاحظة الثانية: كلمة في صالح منظمة «بتسيلم»، التي صور باحث منها الشريط. هذه المنظمة تقوم بعمل مقدس دفاعا عن الحصانة الاخلاقية والامنية لاسرائيل. المصور البطل، اليكس ليباك، خبأ في الجراب شريط الصور الذي خلد فيه «المخربين» وهما على قيد الحياة ينزلان من الخط 300، الصور التي أدت الى كشف القتل وانفجار القضية. في الزمن الحقيقي عرض ليباك الصور من صحيفة «حداشوت» التي نشرت الصور خلافا لتعليمات الرقابة العسكرية. اما اليوم فيتباهى الجهاز (وعن حق) بتنظيف الاسطبلات الذي مر به في اعقاب القضية، ويعرض تلك الصور في موقعه على الانترنت. ليس هناك مثل قادة المخابرات منذئذ ليشهدوا كم خدم النشر الجهاز في أن يكون جسما أكثر قيميا، أخلاقا، محافظا على القانون، وبالاساس قويا. «بتسيلم» تكافح في سبيل كشف الحقيقة عما يجري في المناطق في واقع متعذر – ضد اغلبية الجمهور التي ترى فيها جسما يجب ابادته («على شفا الخيانة»، جريمة عقوبة الموت عليها، وصفها الوزير يوفال شتاينتس)، حين يجتهد متطرفو اليمين وممثلوهم في الحكومة للمس بها وبمصادر تمويلها. في المرات التي تجرأت فيها اسرائيل على فتح تحقيق في أعقاب تحقيقات «بتسيلم»، أثبتت هذه المرة تلو الاخرى بأنها دقيقة ومصداقة. من الواضح أنه لو لم تكن «بتسيلم» التقطت الشريط بل وثقت الحدث فقط، فان شكوى لشاهد عيان كان يدعي بان «المخرب» أعدم بعد أن اصيب والقي القبض عليه كانت ستنتهي بلا شيء. سطر في ختام التحقيق يقول انه لم توجد أدلة او أن الشاهد العربي يكذب. من يدري كم من الشكاوى على احداث اخرى كانت ستنتهي بشكل مختلف لو انها وثقت بالفيديو. حتى لو افترضنا بان الاخلاق في جهة (ومحظور ان نفعل هذا)، لاعتبارات عملية صرفة، فإن «بتسيلم» مهمة لامن اسرائيل مثل عدسة ليباك في حينه؛ فقد أدى الكشف الى تنظيف الاسطبلات والصفوف، وفحص وردع المجرمين المستقبليين من تكرار أفعال كهذه، وبالتالي عدم وصم اسرائيل كلها بجرائم الحرب.
عن «يديعوت»