مواقف إسرائيلية متعارضة

c448aeb080f09e0074b678d0fd229ed9-jpg-78945244650141702
حجم الخط

عشرات من محاولات الطعن نفذها شباب وشابات فلسطين منذ بداية شهر تشرين الأول 2015، سواء من مناطق 67 أو مناطق 48، شباب غير منظمين وغير حزبيين، دوافعهم الإحساس بالقهر والظلم، وحياة الفقر وغياب الأمل نحو غد لا يملك إمكانية توفير العمل والسكن وتكوين الأسرة لهؤلاء الشباب، مثلما يفتقدون للكرامة وتقرير المصير وحرية القرار مثل طموحات كل بني البشر.
محاولات الطعن الفلسطينية للإسرائيليين دوافعها واضحة : القهر الوطني، والفقر الاجتماعي، إضافة إلى الكره الوطني والقومي والديني الذي سببه الاحتلال الأجنبي في نفوس الفلسطينيين الذين بقوا على أرضهم وفي بيوتهم ولم يرحلوا عنها كما حصل لنصف الفلسطينيين الذين غادروا بيوتهم مرغمين عام 1948، بسبب إجراءات التطهير العرقي الذي مارسته إسرائيل كما يقول الأكاديمي الإسرائيلي ألان بابيه في كتابه التوثيقي «التطهير العرقي في فلسطين»، ومحاولات الطعن هذه، عفوية وليست سياسة منهجية منظمة تدعو لها الفصائل أو الأحزاب الفلسطينية وتحرض قواعدها على تنفيذها، بل يقوم بها شباب لا انتماء حزبيا أو تنظيميا أو فصيليا لهم، ولكنها تراكمية تعكس العذاب الذي يعيشون فيه واليأس الذي يواجههم والرغبة من الانتقام ممن يسبب لهم ويفرض عليهم الواقع المأساوي الذي يعيشه شعبهم الفلسطيني وهم منه وله، ولذلك يتم استحضار ما تتوفر لديهم من أدوات في محاولة لتغيير واقعهم المتدني، والعمل على صنع البديل عن الاحتلال العسكري في مناطق 67 والتمييز العنصري في مناطق 48، حيث لا أفق نحو الاستقلال عن إسرائيل بإقامة دولة فلسطين جنباً إلى جنب مع إسرائيل، كما دعت وأقرت بذلك قرارات الأمم المتحدة بدءاً من قرار تقسيم فلسطين عام 1947، ولا أفق أن يعيشوا بكرامة ومساواة وبدون تمييز في ظل دولة ديمقراطية واحدة تحتكم لنتائج صناديق الاقتراع يسودها المساواة في المواطنة والشراكة، فالموجود دولة ديمقراطية لليهود وعنصرية وفاشية وتمييزية ضد العرب الفلسطينيين ومتسلطة عليهم، تُكبل حياتهم وتمنع عنهم فرص الحياة المتكافئة.
محاولات الطعن والتمرد والتظاهر والاحتجاجات، لم تكن ولم تعد أداة فلسطينية، بل هي مظاهر مشتركة من قبل الطرفين ضد الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، فقد كشف الصحافي أليكس فيشمان في تقرير له نشرته الصحيفة العبرية يديعوت أحرنوت يوم 16/10/2015، يقول فيه «التحريض في الوسط اليهودي وجد تعبيره في مظاهرات المتطرفين في المدن، وفي الاعتداء على العرب، بعد قتل الزوجين هنكن نفذ اليهود أكثر من 160 اعتداء عنيفا ضد الفلسطينيين في المناطق – بدءا بإلحاق الضرر بالممتلكات وإحراق المزروعات ومرورا بالدخول إلى المناطق الفلسطينية، وانتهاء برشق الحجارة على السيارات وإخراج المسافرين منها والاعتداء عليهم، وقد اتسعت دائرة المشاركين في تلك الاعتداءات ولم تقتصر على شبيبة التلال أو مجموعات تطلق على نفسها «تدفيع الثمن»، وقد بدأ تراجع الأعمال اليهودية المعادية في الضفة الغربية، وانتقل الغضب إلى داخل الخط الأخضر، ومن خلال الشبكات الاجتماعية خرجت مجموعات على أساس كراهية العرب والأغيار، وهنا نشأ التواصل بين الكهانيين (نسبة إلى الحاخام مئير كاهانا) في الخليل وشباب هامشيين من القدس، لم تكن بينهم صلة في الماضي، ولكنهم بدؤوا يُنسقون فيما بينهم عمليات الاعتداء على العرب داخل إسرائيل».
ويشاركه الرأي الكاتب نحمايا شترسلر، في صحيفة هأرتس العبرية فيقول يوم 16/10/2015 :
« في البلدة القديمة (من القدس) استوطنت 15 جمعية يهودية تُعنى بالتدرب على تقديم القرابين في الهيكل الذي سيبنى «بسرعة في عصرنا» على خرائب المسجد الأقصى، هذا تحريض، في أن جمعية «عطيرت كوهانيم» تنغص حياة سكان الحي الإسلامي، وتمول عشرات العائلات التي استوطنت في قلب الحي، هذا تحريض، بوجود محمية لليهود في أقصى التطرف أقيمت في قلب الأحياء العربية في شرق المدينة، هذا تحريض في أن أولئك اليهود يمسون ويهينون كل يوم آباء وأمهات أولئك الشباب الذين يعيشون في يأس مطلق، في فقر، في إهمال وتحت القمع، بلا مستقبل وبلا أمل في الحصول على دولة مستقلة ( فلسطينية ) خاصة بهم، تعيد لهم كرامتهم، الأمر الأهم بالنسبة لهم أكثر من الخبز ومن الحياة المهنية».
ويُحّمل شترسلر الثلاثي رئيس الوزراء نتنياهو، وألكين وزير القدس، وأردان وزير الأمن الداخلي مسؤولية ما يجري باستهتار فيقول «من ناحية هؤلاء، فكل شيء على ما يرام، فالعرب بالنسبة لهم ليسوا بشراً، ويجب على العرب أن يقدموا الشكر لليهود لأننا نسمح لهم بالتنفس، وثلاثتهم يشرحون أن موجة العمليات الأخيرة سببها «التحريض» وأن لا ذنب لهم فيما يجري من أحداث».
الصحافي يوسي ملمان كتب في معاريف يوم 18/10/2015، يقول «نتنياهو يتحدث عن التحريض الفلسطيني ويتجاهل أن كل العالم يعتبر الاحتلال الإسرائيلي هو المصدر الرئيسي للعنف، ولذلك الاحتلال لن ينتهي، وحكومة إسرائيل مستمرة في صيانة الاحتلال وإدارة الصراع» وسنبقى نعيش هذه الظروف، إلا إذا حدث تدخل من الخارج».
السؤال كيف يمكن التدخل من الخارج والولايات المتحدة أسيرة لنفوذ الطائفة اليهودية وأعضاء الكونغرس يتصرفون وكأنهم أعضاء ملتزمون في الكنيست الإسرائيلي إلى الحد أنهم وجهوا دعوة لرئيس وزراء تل أبيب نتنياهو لإلقاء خطاب تحريضي ضد الإدارة الأميركية في شهر آذار 2015، من خلف ظهر الرئيس أوباما وضد رغبته، في محاولة لتعطيل سياسة البيت الأبيض بما يتعارض مع المصالح الأميركية.
سياسة الولايات المتحدة وقادة الكونغرس واللوبي اليهودي تشكل غطاء للسياسات الإسرائيلية التي تتعارض مع القيم التي يؤمن بها الشعب الأميركي، قيم العدالة والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان، فكيف يمكن الخروج من هذا المأزق متعدد الأشكال والداعم للاحتلال ويجعل المشروع الاستعماري الإسرائيلي يتمادى في سياسته التوسعية الاستيطانية، وإجراءاته غير القانونية ضد الشعب الفلسطيني ورغبته في الأمن والسلام والتعايش وفق قرارات الأمم المتحدة ومعاييرها.