عندما يثار اسم محمد دحلان، القيادى فى حركة فتح وعضو المجلس التشريعى الفلسطينى، تتطاير شظايا الانقسام والخلاف حوله، لما يشكله من حالة جدلية فى الشارع الفلسطينى قوامها التشكيك فى الرجل لدرجة الخيانة! والتعظيم من شأنه لدرجة الزعامة! وبين الحالتين خيط رفيع ظل يتأرجح «دحلان» فوقه إلى أن ثبت أقدامه لتحط فى دولة الإمارات ولتكن محطته المؤقتة فى سلم الأولويات التى رآها الأكثر مناسبة لانطلاق طموحه واستكمال مسيرته السياسية التى بُترت بفصله من حركة فتح فى مايو 2011 بقرار من لجنتها المركزية والرئيس الفلسطينى محمود عباس ألد خصومه.
مؤخراً عاد اسم «دحلان» يتردد بقوة فى المشهد الفلسطينى كأحد أسرار اللقاء الذى جمع بين المسئولين المصريين ووفد «حماس»، وتم طرح المصالحة مع القيادى المفصول من «فتح» خلال اللقاءات والضغط على الوفد من أجل إتمامها، وذلك بعد رفض رئيس السلطة الفلسطينية الاستجابة لجهود مصر بالتصالح مع «دحلان» لإنهاء تفكك الحركة تمهيداً لمصالحة فلسطينية - فلسطينية مع «حماس»، وباتت على يقين بأن المصالحة بين الرجلين شبه مستحيلة، فهل لدى «دحلان» رصيد ضخم فى مصر يؤدى إلى هذا الدور؟ أغلب الظن أنه لا يملك الرصيد بشخصه، إنما بدعم شيوخ الإمارات الرسمى وغير الرسمى له ولمشروعاته الاقتصادية والإعلامية فى القاهرة، إذ إنه شريك بحصة ليست هينة فى جميع مشروعات دبى وأبوظبى بالقاهرة أبرزها تليفزيون الغد العربى وقناة Ten، ما يؤهله للعب دور أكبر ممثلاً عن الجانب الإماراتى والمصرى فى عمليات فلسطينية مقبلة.
لقد أراد الرئيس السيسى إقحام «دحلان» على الساحة الفلسطينية كصمام أمان من خلال بوابتين: الأولى إتمام مصالحة مع الرئيس عباس وعودته من جديد لحضن حركة فتح وإسقاط كل الدعاوى القانونية التى صدرت بحقه من قبَل الحركة وهى مساعٍ فشلت فشلاً ذريعاً، والثانية بإتمام مصالحة بين «دحلان» و«حماس» التى تسيطر على غزة كون «دحلان» يتمتع بشعبية وقاعدة جماهيرية كبيرة فى قطاع غزة، و«حماس» بدورها لم تبد أى معارضة على ذلك، وكانت القاهرة قد أجرت اتصالات مع قادة «حماس» فى الخارج فى نوفمبر 2015 للتباحث فى ملف التصالح مع «دحلان» فأبدت مرونة كافية حيال ذلك وعبرت عن دعمها لكل جهد مصرى يبذل من أجل تحقيق أى مصالحة فلسطينية داخلية، و«دحلان» بدوره من خلال علاقاته المتميزة بمسئولين فى جهاز المخابرات المصرية أبدى مرونة وإيجابية لإتمام التصالح.
إغلاق «فتح» ملف المصالحة مع «دحلان» كان رسالة لمصر، ومن هنا اتجهت مساعى القاهرة للمصالحة بين «دحلان» و«حماس» ربما تستطيع تحقيق تقدم يضمن أولاً الأمن على الحدود مع غزة، ومن ثم يتم مناقشة ملفات أخرى مهمة مشتركة يكون «دحلان» هو واجهة الحوار مع مصر فيها وليس «حماس»، كما لوحت «حماس» بورقة «دحلان» وإمكانية عودة العلاقات معه كإحدى الرسائل التحذيرية للضغط على الرئيس عباس فى حال بقى وضع المصالحة على حاله وفى الوقت ذاته تهيئة عناصرها لتغيرات فى علاقتها المحلية والإقليمية بما فى ذلك العلاقة مع «دحلان»، لكن الأكيد أن هناك نقاشاً يدور على أعلى المستويات فى «حماس» حول إجراء مصالحة مع «دحلان»، وفتح صفحة جديدة معه وطى صفحة الماضى المؤلم.
تصريحات قيادات «حماس» تلمح لهذا التغير؛ منها تأكيد الدكتور صلاح البردويل أن حركته لا تمانع الحديث مع «دحلان» ضمن المصالحة المجتمعية وأن المشكلة معه يمكن حلها، كذلك تصريح القيادى يحيى موسى، النائب فى المجلس التشريعى، الذى قال إن «حماس» لا تمانع أن تحاور أى فلسطينى مهما كان ماضيه فى صالح القضية، مضيفاً أن ماضى «دحلان» أفضل من حاضر «عباس» الذى يدير الطريق الفلسطينى بانهزام وانكسار وينتقد المقاومة التى حمت الشعب!!
إن اللقاء الذى جمع مسئولين فى جهاز المخابرات ومؤسسة الرئاسة المصرية مع «دحلان» بالتزامن مع لقائهم بوفد حركة حماس الأخير، يؤكد استعداد القاهرة للتعاون مع كافة الأطراف الفلسطينية، وأن وجود «دحلان» فى المشهد السياسى الفلسطينى بات ضرورة ملحة فهو رمانة الميزان بين حركتى فتح وحماس.