"ملأ 100 ألف شخص، أمس، ميدان رابين، في غالبيتهم الساحقة يعتمرون القبعات الدينية المحبوكة، ولكن يظهر في الجمهور أيضا ذوو سيماء حريدية (اصولية)". احتج هؤلاء بشدة على تصريحات الحاخام اسحق يوسف، الحاخام الرئيس السفردي – الشرقي، الذي قال انه محظور على الأغيار السكن في "بلاد إسرائيل"، ولكن لما كانت "يدنا ليست حازمة"، فإننا نسمح لهم بالبقاء كمساعدين وكخدم لشعب اسرائيل. وألقى في المهرجان حاخامون معروفون، ولا سيما من الصهيونية الدينية، كلمات دحضوا فيها بشكل تام تصريحات الحاخام، على اساس مصادر اليهودية وروحها. مثل هذا الخبر كان يمكن ويجب ان ينشر في صحيفة اليوم، ومرغوب فيه الى جانب تقرير عن طلب لرئيس الوزراء من المستشار القانوني للحكومة بالشروع بالاجراءات لتنحية الحاخام. ولكن لأسفنا، الانطباع هو ان ليس الجمهور الصهيوني الديني بقادر على أن يصدر من داخله مظاهرة كهذه، وبالتأكيد رئيس الوزراء- الذي يتواجد بإرادة بائتلاف مع "شاس"، التي يُعتبر الحاخام هو سيدها – لن يفعل ذلك. أؤمن بأن الكثيرين في الوسط الصهيوني – الديني يرفضون تصريحات الحاخام، وكذا قوله السابق بانه لا يجب السماع لــ "رئيس أركان ما" في موضوع الموقف من "المخربين". يجدر بالتالي الدعوة الى التنكر الصاخب والتام من قبل الصهيونية الدينية لمثل هذه الاقوال، وبالذات انطلاقا من الاستناد الى المصادر اليهودية. فتحدي الجيل هو الاثبات بان اقوال الحاخام لا تمثل اليهودية في زمننا بأي شكل من الاشكال. من المعروف ان تصريحات الحاخام يوسف تقوم على اساس فهمه لفتوى الرمبام التي تعنى بالفريضة الاصلية "لا ترحم"، حول الموقف من شعوب كنعان بعد الاحتلال. هناك خلاف بين الحكماء حول صلاحية هذه الفتوى في عصرنا، ومن المسموح التساؤل حول مدى الحكمة والاخلاق، في التطبيق التلقائي، دون تفكر ذاتي، لفتوى تعود الى القرن الثاني عشر حول وضع توجد فيه دولة يهودية سيادية خُمس مواطنيها ليسوا يهودا. يجدر بالذكر أن الرمبام نفسه وجد ملجأ من اضطهاد المسلمين المتطرفين في اسبانيا وفي شمال افريقيا بالذات في مصر الاسلامية، التي تعامل حكامها في حينه معه باحترام شديد، ولم يطردوه رغم ان "يدهم كانت حازمة" جدا. مثال مثير للانطباع على تحليل مختلف لفكرة الرمبام عن "الاخر" يمكن ايجادها في كتاب صدر مؤخرا بقلم البروفيسور مناحم كلنر: "هم ايضا يسمون بشرا – المغترب في نظر الرمبام" (اصدار جامعة بار ايلان، 2016). هذا الكتاب يسعى الى الاثبات، استنادا الى الكتابات الفقهية للرمبام، بان نهجه كان كونيا في اساسه، ولم يستبعد مثلا قدرة الغير على أن ينال النبوءة. الاساس هو في الاستعداد للتجند لحرب ثقافية وتمثيل الفكر الانساني في الساحة العامة بعموم عناصرها. يخيل أن مطلب الحكماء: "حيثما لا يوجد بشر كن بشرا"، ذو صلة شديدة اكثر من أي وقت مضى. فهل أثناء المواجهة الاسرائيلية – الفلسطينية التي ترتدي طابعا دينيا أكثر فأكثر، وفي وضع متوتر ومعقد في مواقف المؤسسة الرسمية من السكان العرب، يحق لرجل الدين الكبير في بلادنا أن يتحدث هكذا؟ هل تختلف اقواله كثيرا عن اقوال التحريض الصادرة عن نواب التجمع الديمقراطي؟ هل يمكن تصور تصريح للبابا بان يهود ايطاليا جديرون مبدئيا بالطرد، وانهم في هذه الاثناء سيستخدمون كمساعدين للمسيحيين في الفاتيكان؟ أتمنى للحاخام أن يتمكن من استغلال حقيقة ان "بوابات التوبة ليست مغلقة"، فيتراجع عن تصريحاته.
عن "معاريف"