بصاق في وجه ديمقراطية إسرائيل

naserrr
حجم الخط

قرار القضاء العسكري الإسرائيلي أمس، بتحرير الجندي مجرم الحرب الذي أطلق النار على رأس الشهيد الشريف يدلّ على مدى الانهيار الأخلاقي لديمقراطية دولة الاحتلال. الصحافة الإسرائيلية تؤكد أن الحادثة نوقشت في القيادات الإسرائيلية ابتداءً من قائد المنطقة حتى رئاسة الأركان التي تحدثت عن حادث خطير جداً، ولكن كان الصمت هو سيد الموقف، بمعنى أن هذه الجريمة كانت ستمر مثل مئات الجرائم الأُخرى التي وقعت بسلاح الاحتلال ولكنها أُخفيت في أدراج المكاتب، وتم التسترُ عليها. جريمة الخليل فضحها الشريط المصور، الذي كان دليلاً حياً على عمليات الإعدام الميداني التي تمارسها قوات الاحتلال، والتي أصرت على الإنكار طوال الشهور الماضية، واتهمت الجانب الفلسطيني بأنه يثير زوبعةً ويبالغ حول عمليات الإعدام الميداني. ولكن لا نريد التحدثَ فقط عن الجمهور الإسرائيلي الذي خرج بالمئات في تظاهرات مناصرة للقاتل ومدافعة عنه، بل أكثر من ذلك تصويره كبطل إسرائيلي، لأنه أنهى حياة عربي، بل الحديث عن دور القضاء، وعن دور القضاة العسكريين الذين شجعوا بقرارهم ارتكاب جرائم الاغتيال في المستقبل. القاضي العسكري شكك في كل الأدلة التي قدمتها النيابة العسكرية الإسرائيلية التي حاولت تغطية عورتها بورقة توت، من أجل إبقاء طبقة واهنة لحفظ ماء وجه الجيش الإسرائيلي وما يطلقون عليه «طهارة السلاح»؟؟!! وانتصر القضاء الذي يساند الجريمة والمجرم حتى على ورقة التوت الإسرائيلية. أن تهمة القتل غير العمد التي حاول البعض أن يوجهها للمجرم القاتل تم أيضاً تجاهلها... وأيضا تغيير رواية الجندي المجرم. الإعلام الإسرائيلي وخاصة الاجتماعي منه تجند خلف القاتل، وشكل ضغطاً كبيراً على القيادات السياسية التي حاولت الاختباء وعدم الإفصاح عن رأيها أمام الجمهور لحفظ ماء الوجه أمام العالم، ولعلّ موقفَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو الأكثر وضوحاً الذي حاول أن يظهر أمام العالم وكأنه يرفض ما حدث، ولكن تصريحاته الموجهة للجمهور الإسرائيلي كانت عكس ذلك تماماً، والموقف الأبرز هو اتصاله بوالد الجندي المجرم وطمأنته. في إسرائيل يعترفون أن قيم الأخلاق مفقودة ليس من حادثة الخليل بل من العام 1948 أي من النكبة، يتحدثون عن مئات الجرائم المماثلة، بل ربما الأخطر والتي تم الصمت عنها. حتى أن أسرى الجيوش العربية لم يسلموا من التصفية الجسدية وهم مقيدون، لقد أُطلق الرصاص على رؤوسهم وظهورهم... مئاتُ الجنود المصريين الأسرى في العام 1967 تمت تصفيتُهم في سيناء... ضباط إسرائيليون اعترفوا بذلك، وأحرجوا قياداتهم مثل رئيس الوزراء السابق أرئيل شارون والوزير السابق بنيامين بن أليعازر وغيرهم ممن شاركوا في قتل الأسرى المصريين. المحامي الإسرائيلي تسفي كفتوري يعترف أيضاً في مقالة نُشرت أول من أمس في صحيفة هآرتس عن حادثة قُتل فيها دزينةٌ من الجنود الأسرى العرب... ويتحدث عن تفاصيل الجريمة... عندما أطلق الرصاص على ظهور الجنود الأسرى العرب وهم مرهقون تماماً، جوعى وعطشى؟!! ويقول مرت المجزرة رغم الوعود بالتحقيق... الأخوان أبو جامع اللذان اختطفا حافلة إسرائيلية في ثمانينيات القرن الماضي وتمت تصفيتهما بعد اعتقالهما. إذن، هذه هي واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط... ولكن ماذا لو لم تكن هذه واحة، وكانت صحراء قاحلة... ماذا كان سيقترف قادتُها وجيشُها؟! الملاحظات كثيرة... ولكن يحق لرئيس الحكومة الإسرائيلي نتنياهو أن يتصل بوالد مجرم وقاتل، ولكن يُمنع على عضو كنيست عربي أن يلتقي عائلة شهيد لا تطلب سوى تسليم جثمانه. أمام هذا المشهد وغيره من المشاهد حان الوقت لأن يبصق العالم الإنساني إذا ما وُجد في وجه «واحة الديمقراطية» في الشرق الأوسط؟!!