«لستُ وزيراً للعدل ولا للشرطة، ولا أعرف جميع الجرائم التي تتم في البلاد، لكني كوزير للدفاع، أعرف جزءاً من الجرائم، ويجب عليّ القول إن الوضع فظيع في مستويين: 1- أعمال القتل. 2- أعمال الاغتصاب». هكذا بدأ رئيس الحكومة ووزير الدفاع، دافيد بن غوريون. وعندها ألقى قنبلته: «يقول لي رجال هيئة الاركان العامة، وهذا رأيي ايضاً، إنه طالما لم يُشنق أي جندي يهودي بسبب قتله للعرب، فان أعمال القتل لن تتوقف». قيلت هذه الكلمات في العام 1951 في جلسة الحكومة، التي تناولت موضوعا حساسا هو عقوبة الإعدام. لقد أبقت «حرب الاستقلال» التوتر الشديد بين اليهود والعرب، ومشكلة المتسللين، أي اللاجئين الذين أرادوا العودة الى منازلهم وقراهم التي تركوها اثناء الحرب أو عادوا لفلاحة اراضيهم. على هذه الخلفية زادت أعمال قتل العرب على أيدي اليهود. ومن أيّد عقوبة الاعدام أراد منع كل ذلك. من المهم قراءة هذه الاقوال بعد 66 سنة، لاسيما بعد جلسة الحكومة التي عقدتها حكومة نتنياهو، هذا الاسبوع، بخصوص موضوع الجندي مطلق النار على رأس «مخرب» وهو ملقى على الارض بعد أن تم تحييده بدقائق طويلة. «بشكل عام، من يملك السلاح فانه سيستخدمه»، قال بن غوريون في تلك الجلسة، «وخصوصا لدينا حاليا قادمون جدد وأبناء البلاد الذين يعتقدون أن اليهود هم بشر، أما العرب فليسوا بشرا. وكل شيء مسموح ضدهم. وهناك من يعتقد أن من الواجب قتل العرب، وأن كل ما تزعمه السلطات ضد قتل العرب ليس جدياً بل تظاهر. ولكن عمليا تتم مباركة هذا الامر، حيث يتضاءل عدد العرب في البلاد. وطالما أنهم يفكرون بهذه الطريقة فلن تتوقف أعمال القتل. «أعتقد ايضا أنه اذا كان هناك عرب أقل في البلاد فهذا جيد لنا وللبلاد. ولكن هل يعقل السير في هذه الطريق؟ اعتقد أن الغاء عقوبة الاعدام يعني ازدياد سفك الدماء... اشياء فظيعة تحدث في هذه البلاد... الغاء عقوبة الاعدام يعني ترك اللجام في هذه البلاد، لاسيما في مجال العلاقات بين اليهود والعرب. وبعد قليل لن نستطيع اظهار وجوهنا أمام العالم. اليهود يلتقون بالعربي ويقومون بقتله». في تموز 1949 اجتمعت الحكومة وناقشت اقتراح قانون قدمه وزير العدل، بنحاس روزين، لإلغاء عقوبة الاعدام – ارث من الانتداب البريطاني. وقد تحدث بن غوريون في حينه عن تردده فيما اذا كانت هناك حاجة لالغاء هذه العقوبة الفظيعة: «لو كنت في اسكندنافيا لصوت بسهولة»، قال للوزراء، «سأصوت بصعوبة وبعد تردد، وأنا على يقين تقريباً أنه ستتم اعادة عقوبة الاعدام. لأن الامر سيؤدي الى زيادة اعمال القتل». ودار جدال في الحكومة في حينه: وزير الخارجية، موشيه شريت، عبر عن موقف انساني أيد الغاء عقوبة الاعدام: «المجتمع الانساني يجب أن يطمح الى هذا المستوى الاخلاقي الذي يمنع قتل انسان». الحكومة وافقت على قانون الغاء عقوبة الاعدام باستثناء حالات الخيانة في حالة الطوارئ. انتقل القانون الى جلسة الدستور التابعة للكنيست من اجل النقاش. وبعد مرور سنة أعلن وزير العدل روزين: هناك سبعة اشخاص حكموا بالاعدام، ولم يتم تنفيذ الحكم الى أن تتخذ الكنيست القرار. «ما الذي سيفقدونه في الوقت الحالي»، تساءل د. دوف يوسف، الذي كان وزيراً للميزانيات والزراعة. «لم يكن أحد في وضع كهذا»، قال وزير المواصلات، دافيد ريمز. «يعرف كل انسان أنه محكوم بالموت»، لخص بن غوريون حيث فاجأ الحضور عندما تراجع بشكل مطلق عن تأييده الغاء عقوبة الاعدام. السبب الرئيس لذلك كان حسب اقوال رئيس الحكومة الاول، اضافة للجريمة المنتشرة في البلاد، هو أعمال قتل الجنود للعرب. وتراجع وزير الخارجية شريت بشكل لافت وللسبب ذاته بالضبط. «قبل أن يتم طرح هذا البند على جدول العمل تبادلت الحديث مع وزير العدل، وقلت له: لقد اقتنعت بأسف شديد أنه لا يمكن الغاء عقوبة الاعدام». وقال شريت مفصلا: «هناك دول يمكن الاعتماد على حكمتها وتجربتها وهي أكثر انسانية منا، كنت هناك سنوات طويلة وأنا أعيش هنا الآن. توجد هناك عقوبة الاعدام. ما الذي تشير اليه الجرائم التي حدثت وتحدث كل اسبوع، لاسيما في اوساط الجيش؟ الحالات كثيرة جدا. «هناك حالات يعرف عنها الجمهور وحالات لا يعرف عنها... إنها لا تشير الى غريزة القتل المتجذرة فينا. ولو قلت إن هناك انسانا قاتلا بطبيعته من اجل الانتقام، بسبب النساء وما أشبه، وهو مستعد لقتل انسان في جميع الحالات، فان حقيقة وجود عقوبة الاعدام لن تردعه... لكن ذلك الشخص اليهودي الذي يقتل عربيين في الطريق، لست على استعداد للقول عنه بدون فحص مسبق إنه قاتل بطبيعته وإنه لا يرى عقوبة الاعدام. «إنه شاب يعيش في المناطق التي وصفها رئيس الحكومة، ويعتبر أن كل عربي كلب. والكلب يجب قتله... بالنسبة لهؤلاء الاشخاص يجب انقاذهم ومنعهم من قتل أي أحد. ومن هنا من الواجب وجود عقوبة الاعدام في البلاد. وطالما أنها غير موجودة فان القتل سيستمر، وسندفع ثمن ذلك. هذا يعني افساد البلاد اخلاقيا. «من خلال التجربة في هذه البلاد، أدرك ضرورة عقوبة الاعدام... لقد اخطأنا عندما توقفنا عن الشنق... لو كانت جميع الجرائم التي حدثت في البلاد قد نشرت لكان سيطر على الجمهور الشعور بالوحشية، وبدأت عمليات الفتك. أنا على استعداد لاطلاق النار على شاب يهودي اذا أراد قتل شاب عربي في الطريق لو كانت هذه هي طريقة الانقاذ. في الحادثة التي وقعت بالقرب من شاعر هغاي، قام يهودي بانقاذ فتى عربي وقُتل اثنان في ذلك المكان وأصيب واحد ومات بعد ساعتين. كان هناك خطر على يهوديين من الهند مع بشرة داكنة، حيث كانا سيقتلان على أيدي اليهود. وبدآ بالصراخ: اسرائيل». الوزير دوف يوسف أيد ايضا: «كنت طوال حياتي وبشكل مبدئي ضد الشنق كعقوبة. ولكن للأسف في هذه البلاد ووضعها الآن أنا أتفق مع رئيس الحكومة والسيد شريت». قال للوزراء. «الامر الذي يزعزعني هو القتل بالجملة»، هكذا انضم الوزير موشيه شبيرا مؤيدا الحفاظ على عقوبة الاعدام كما هي. «في احدى الحالات... كان هناك ثمانية جنود عند حدوث القتل. لم يشاركوا جميعهم، لكن جميعهم كانوا موجودين اثناء الحادثة، ولم يحاول أحد منهم أن يمنعه». «كانت أحداث أكثر فظاعة»، تدخل بن غوريون قائلا. وزيرة العمل، غولدا مائير، التي عارضت عقوبة الاعدام، اعترفت هي ايضا في تلك الجلسة. «لم نفعل ما كان يجب علينا فعله، لاسيما في هذه النقطة المتعلقة بالجرائم ضد العرب». ودافيد ريمز، الذي عارض هو ايضا عقوبة الاعدام، قال: «ترتجف يداي ورجلاي عندما اتحدث عن هذا الموضوع... اعتبر أن قتل العرب هو مثل قتل اليهود. واضافة للقتل يوجد العيب والبشاعة لأن القتلة يتمتعون في هذه اللحظة». وقد تقرر في نهاية النقاش أن يقوم وزير العدل بتلخيص النقاش حول عقوبة الاعدام التي ألغيت بشكل نهائي سنة 1954 فقط.
عن «هآرتس»