لم يعد خافيا على أحد أن قطاع غزة يشكل منذ فترة ليست بعيدة عنصر إزعاج متواصل للأمن القومى المصرى خاصة مع تصاعد واستمرار العمليات الإرهابية فى سيناء , وقبل أن أخوض فى تفاصيل هذا الموضوع أرى ضرورة إعادة تأكيد على أن مصر تكن كل تقدير وإحترام لأبنائها من الشعب الفلسطينى الصامد ولا يمكن لها أن تتخلى عنه مطلقاً أوعن قضيته العادلة لاسيما وأنها قضية أمن قومى وهى مسئولية أمام الله وأمام التاريخ , ولكن فى الجانب المقابل من المهم أن أؤكد أيضاً أن من حق مصر وحدها الحفاظ على سيادتها وتأمين حدودها والنيل بقوة من كل من يحاول العبث بأمنها واستقرارها مهما كانت قوته أو طبيعته .
لابد لى أن أنوه فى البداية إلى ثلاثة عوامل رئيسية يمكن أن تساعد فى توضيح مدى وجود هذا التهديد من عدمه، ويأتى على رأس هذه العوامل طبيعة السلطة الحاكمة فى غزة أو تلك السلطة المسيطرة على جميع الأوضاع فى القطاع، وبصفة خاصة الأوضاع الأمنية وما هى حقيقة توجهاتها وحدود أهدافها وطموحاتها، ثم يأتى العامل الثانى المتعلق بماهية العلاقة بين الجماعات المتطرفة فى قطاع غزة ومثيلتها فى سيناء ومدى التعاون القائم بينهما، أما ثالث هذه العوامل فهو مدى وجود أفق فى المستقبل لاستقرار الأوضاع فى قطاع غزة .
ولا شك أن التقييم الموضوعى لهذه العوامل الثلاثة بعيداً عن أى أهواء أو أحكام مسبقة سوف يقودنا بشكل جلى إلى مدى ما يشكله قطاع غزة بوضعه الحالى من تهديد لأمننا القومى , فمن جانب نرى أن السلطة المسيطرة هناك ليست هى حكومة الوفاق الوطنى (الحكومة الحالية للرئيس أبو مازن) بل هى حركة حماس التى سيطرت على غزة منذ منتصف عام 2007 وحتى الآن ونجحت فى توطيد أركان حكمها لمدة قاربت على عقد من الزمان وأصبحت سياسة حفرالأنفاق فى عهدها بمثابة منظومة أمنية واقتصادية متكاملة, ومن جانب آخر فإن العلاقات المتبادلة بين التنظيمات الإرهابية فى سيناء والجماعات المتطرفة فى غزة أصبحت علاقات وطيدة واضحة للجميع تحكمها المصالح والتوجهات والأهداف المشتركة, ومن جانب ثالث فإن جميع الدلائل تشير إلى أن الإستقرار الحقيقى للأوضاع فى القطاع لن يحدث فى المدى المنظور طالما تتحكم حماس بمفردها فى بوصلة القطاع, دون أن نسقط احتمالات تفجر المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحماس فى أى وقت ولأى سبب .
إذن فلا يوجد أدنى شك فى أن المعادلة الماثلة أمامنا تؤكد بوضوح أن الأوضاع الراهنة فى قطاع غرة تمثل تهديداً مباشراً للأمن القومى المصرى, وهذا الأمر يقودنا إلى أن نطرح سؤالاً مهما وهو كيف يمكن أن تكون الحدود المصرية مع إسرائيل التى يبلغ طولها أكثر من 220 كيلومتراً مستقرة, فى حين أن حدودنا مع قطاع غزة والتى يبلغ طولها حوالى 14 كيلومتراً فقط غير مستقرة بل يمكن توصيفها بأنها حدود متوترة يقبع أسفلها العديد من الأنفاق التى تستخدم فى التهريب بجميع أنواعه وبالتالى تقدم كل العون لدعم العمليات الإرهابية فى سيناء .
وحتى مع التسليم بالعلاقة المؤكدة بين استقرار الوضع الأمنى فى سيناء ومثيله فى قطاع غزة, يظل الأمر فى احتياج إلى تحديد كيفية معالجة هذه المشكلة ومن هى الأطراف التى تقع عليها مسئولية التحرك وما هى الإجراءات التى يجب على كل طرف أن ينتهجها , وحتى أكون أكثر تحديداً فهناك طرفان رئيسيان فى هذه المعادلة, الطرف الأول هو الجانب المصرى الذى لا يمكن لأحد أن ينازعه حقه الطبيعى فى الحفاظ على أمنه وتأمين حدوده, والطرف الثانى هو السلطة المتحكمة فى غزة وهى حركة حماس التى يجب عليها أن تكون بعيدة تماماً عن المساس بالأمن القومى المصرى .
بالنسبة للجانب المصرى فقد يكون من الضرورى أن يتحرك على محورين أساسيين أولهما المحور الأمنى وأعنى به استمرار قواتنا المسلحة الباسلة بالتعاون مع الشرطة فى اتخاذ جميع الخطوات التى تتيح الحفاظ على أمننا القومى ولاسيما تأمين حدودنا مع تنفيذ إجراءات عنيفة ورادعة تجاه كل محاولات المساس باستقرار البلاد, أما المحور الثانى فهو المحور السياسى حيث يجب علينا إستئناف دورنا الطبيعى المقنن لإنهاء الانقسام الفلسطينى, مع القيام بتحرك مماثل لإعادة القضية الفلسطينية إلى دائرة الضوء, ولا شك أن وضع هذين المحورين موضع التنفيذ سيؤدى إلى إحداث نقلة نوعية فى تحقيق الاستقرار على حدودنا مع غزة وبالتالى فى منطقة سيناء ككل .
أما فيما يتعلق بالطرف الآخر وأعنى به حركة حماس فإن الحركة تواجه الآن أصعب اختبار فى تاريخ علاقتها مع مصر وهو ما يفرض عليها أن تتحرك على خمسة محاور رئيسية, الأول أن تقوم بعملية ضبط حقيقى لحدود القطاع مع مصر حتى نستشعر أنها أصبحت حدوداً آمنة بالفعل, والمحور الثانى وهو التوقف عن سياسة حفر الأنفاق تماماً ومن ثم وقف عمليات التهريب التى تمثل شريان الحياة للإرهاب فى سيناء, ويتمثل المحور الثالث فى إمداد المؤسسات المصرية المعنية بأية معلومات تتوافر لديها من شأنها المساس بأمن مصر, أما المحور الرابع فيتركز على وجوب القطع التام لأية علاقات من جانب عناصر حماس (أو غيرها) بالعناصر المتطرفة فى سيناء , ويتبقى المحور الخامس والخاص بقبول حماس تنفيذ جميع بنود الورقة المصرية المتعلقة بالمصالحة الفلسطينية الموقعة فى القاهرة فى الرابع من مايو 2011 مع البدء فى عملية التنفيذ على الأرض خلال جدول زمنى محدد وخاصة مسألة الإنتخابات , وأعتقد أن هذا هو الحد المقبول لنا الذى يمكن معه أن نقول إن الأوضاع على حدودنا مع غزة سوف تصبح مستقرة .
فى النهاية أرى أنه مع مواصلة مصر عمليات تطهير وتحرير سيناء من الإرهاب , فلا يتبقى أمام حماس أى مجال سوى التحرك بإيجابية وبالتوازى على هذه المحاور الخمسة حتى تتولد القناعة لدى مصر أن نتائج هذا التحرك أصبحت حقيقة ملموسة على الأرض وليست مجرد تعهدات ووعود نظرية لا جدوى من ورائها , هذا دون أن ألغى حق القضاء المصرى الشامخ فى أن يصدر أحكامه الرادعة ضد كل من يثبت فعلياً تورطه فى المساس بأمن وسلامة البلاد.
*وكيل المخابرات العامة المصرية السابق
عن الاهرام