داعش والهجرة.. تعيدان الاستقرار إلى ليبيا !!

HANÎ-HEBÎB
حجم الخط

وها هي إحدى بؤر التوتر والتأزم في منطقتنا العربية، تتجه مع "احتمالات" الحل، بلد الاصطفافات والقلاقل والقبائل المسلحة والمنظمات "الإسلامية" المتطرفة، ليبيا، وصلت إلى بداية جديدة، صعبة لكنها ضرورة لا بدّ منها للتخلص من الاقتتال والتشرذم وعدم الاستقرار والتنازع واحتمالات التقسيم، بعد محاولات عديدة، شاركت بها جهات محلية وعربية ودولية، لم يكتب لها النجاح، لكن هذه المرة، هناك في الأفق ما يشير إلى أن الأمر بات مختلفا، وأن المجتمع الدولي، بات أكثر إصراراً على التدخل من أجل وضع حد لحالة عدم الاستقرار في ليبيا، ليس حباً بالشعب الليبي الشقيق، ولكن لأن لهذا المجتمع، خاصة بالدول الأوروبية مصلحة خالصة، في إنقاذ ليبيا من عدم الاستقرار والتقاتل، هذه المصالح التي ترتبط بعنوانين أساسيين، الأول يتمثل في تزايد نفوذ الحركات "الإسلامية" المسلحة، خاصة "داعش" التي باتت تتخذ من ليبيا، موقعاً "تبادلياً" ـ إذا صح التعبير ـ بعد الأفول المحتمل لدولة داعش في العراق وسورية، داعش لم تتمكن من ان تتحول إلى "اليمن" رغم أنه ساحة صراع محتدمة، لأن "القاعدة" هي التي تسيطر هناك، لذلك فإن المناخ القبلي وحالة التفكك وما أفرزته تداعيات "ربيع ليبيا" يجعل من الأراضي الليبية موطئ قدم ونفوذ "مبشر" بالنسبة لداعش. لو أن "داعش" مجرد قوة ظلامية محلية، لا تهدد إلاّ حيث تنشأ وتتواجد في بدايات عملها، ربما لما شعر الغرب بأي حاجة للمس بها والقضاء عليها، إلاّ أن داعش أثبتت اثر قيام دولتها في كل من العراق وسورية، أنها معنية بالتمدد إلى خارج الحدود التي أقامتها لدولتها، وإذا كانت قد استمدت "النصرة" من مهاجرين إليها من الدول الغربية، فإن هؤلاء يتم إعدادهم "للعودة" من حيث أتوا، لترسيخ قيم داعش الدموية، وما شهدته العواصم الغربية مؤخراً، باريس وبروكسل تحديداً من موجات داعشية دموية، لهو الدليل الأبرز على أن خطر هذه الدولة المصطنعة ـ داعش ـ لا تحده حدود. لذلك، فإن القضاء على داعش الليبية، يعتبر أمراً لا مفرّ منه، لضمان المصالح الغربية، خاصة بعد النجاحات التي تم إنجازها مؤخراً بإضعاف هذه الحركة في كل من العراق وسورية، فإن اندفاع "داعش" نحو الغرب، دموياً، كبديل عن خسارتها سيدفع بها، أيضاً، إلى توطيد البديل المحتمل والأكثر إمكانية، في ليبيا، حيث تستعيد هذه "الدولة" إمكانياتها المفقودة في كل من سورية والعراق. أما العنوان الثاني وراء التدخل الدولي لصالح إعادة الأمن والاستقرار في ليبيا، فيعود إلى مسألة "الهجرة" التي باتت تهدد المجتمعات الغربية عموماً، وإذا كانت هذه المسألة قد اكتسبت حجماً كبيراً ونوعياً نتيجة الأحداث السورية تحديداً، إلاّ أن موجات الهجرة من القارة الأفريقية، وهي هجرات تقليدية مستمرة بصرف النظر عن الحروب والأزمات، إذ أنها هجرات اقتصادية بالدرجة الأولى، فإن طول الساحل الليبي، وعدم وجود سلطة للدولة، يجعل من هذه الهجرات عبر سواحل ليبيا، خطراً دائماً ومستمراً على المجتمعات والنظم الغربية، وجود دولة قوية مركزية في ليبيا، من شأنه السيطرة على حدود الدولة مترامية الأطراف مع الدول الأفريقية من ناحية، كما يمكنها من السيطرة على سواحلها ويصبح بالإمكان منع هذه الهجرات أو الحدّ منها على أقل تقدير. لهذين السببين تحديداً، تم وقوف المجتمع الغربي، ونظمه السياسية وراء تشكيل حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، بعد عدة جولات في المغرب، تم خلالها حل العديد من الإشكاليات بفضل تهديد قوى الداخل الليبي على اختلاف تلاوينها وشرعياتها بإجراءات وعقوبات من شأنها وقف كل عناصر الدعم المالي والتسليحي والسياسي لها، بل وملاحقة قياداتها، لذلك عندما وصلت حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج إلى الأراضي الليبية قادمة من تونس، وعلى عكس بعض التوقعات، وجدت ترحيباً شعبياً واسعاً، باعتبارها حكومة إنقاذ، كما أن القوى المعارضة في كل من طبرق وطرابلس، خففت من معارضتهما، بل ان "حكومة طرابلس" أعلنت أنها ستظل في اطار المعارضة البرلمانية السلمية ولن تلجأ للسلاح في معارضتها. ولا شك أن إعادة الاستقرار إلى ليبيا وتمكين حكومتها من السيطرة على مقاليد البلاد، سيواجه بصعوبات عديدة، إلاّ أن الآفاق باتت أرحب، لمواجهة هذه الصعاب على ضوء الإسناد الشعبي المتوجه نحو الخلاص من الانقسام والميليشيات، كما ان دول الجوار، وهي معنية باستقرار ليبيا، تدعم حكومة السراج. وفي كل الأحوال، ورغم المصالح الغربية في هذا التطور، إلاّ أنه وبالقطع يخدم مصالح الشعب الليبي الشقيق، كما أنه يخدم كافة شعوب المنطقة المتطلعة نحو الاستقرار والسلام، باعتبار البديل عن ذلك، هو ما رأيناه من تغول قوى الإرهاب، خاصة تلك التي تُزوِّر الدين وتجعل من هذا التزوير مرجعية لدمويتها!