داعش انتقل في الأسابيع الأخيرة من الهجوم الى الدفاع في المنطقتين السورية والعراقية. فالجهود التي يبذلها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وبمساعدة روسيا وايران، تحقق نجاحا جيدا، انزل بالتنظيم ضربات بالغة اضطرته الى الانسحاب من عدة مواقع. هكذا، على سبيل المثال، تمكنت ميليشيات بشار الأسد، بمساعدة روسية وايرانية، من احتلال مدينة تدمر، التي تعتبر بوابة الصحراء الى مركز سورية، فيما بدأت الميليشيات الشيعية، بمساعدة امريكية، وربما ايرانية ايضا، بالاستعداد لمهاجمة الموصل التي تعتبر اهم مركز لداعش في العراق.
ولكن بالذات في الوقت الذي يواجه فيه التنظيم مأزقا، وظاهرا بدون أي علاقة بالهزائم التي تصيبه في شمال وشرق سوريا، يُصعد رجاله من نشاطهم على جبهة الجولان وجبهة سيناء، وهما جبهتان هامشيتان في الحرب التي يديرها التنظيم في العالم كله، لكنهما تنطويان على اهمية كبيرة بالنسبة لإسرائيل.
في الأسابيع الأخيرة تكثر وسائل الاعلام المتماثلة مع داعش من التبليغ عن نشاطات اسرائيلية – مصرية مشتركة، في محاولة لصد التنظيم في سيناء. ويملك التنظيم مصلحة واضحة في جر اسرائيل الى الصراع الذي يديره ضد الحكومة المصرية، وتحميل اسرائيل جانبا كبيرا من النشاطات المصرية ضده. خاصة وان المقصود عمليات لسلاح الجو المصري، الذي ينشط لأول مرة في سيناء منذ حرب الأيام الستة، وكما يبدو بتصريح من اسرائيل. ولكن في السطر الأخير، رغم الحرب الكاسحة التي تديرها مصر ضد التنظيم فان داعش لا يزال يسيطر على اجزاء من سيناء ويواصل تنفيذ عمليات ارهابية قاسية ضد قوات الجيش والشرطة المصرية، التي لا تنجح حاليا بهزمه.
وفي هضبة الجولان، ايضا، خاصة في القسم الجنوبي، يعزز تنظيم داعش من عمله. النظام السوري اهمل منذ فترة طويلة هضبة الجولان في الجانب السوري من الحدود، لأن لدى الأسد جدول اولويات آخر، ومناطق اكثر اهمية بالنسبة لبقاء النظام في دمشق. كما ان التدخل الروسي – الايراني في الأشهر الأخيرة في سوريا، يتركز في شمال الدولة واواسطها، وعلى الغالب في منطقة دمشق، ويترك، ربما عمدا، الجولان لمجموعات المتمردين، ومن بينهم ممثلي داعش.
والنتيجة هي، كما يستدل من التقارير الواردة من سوريا، ان اذرع داعش في الجولان، كتنظيم "شهداء اليرموك"، تزيد من قوتها في الأسابيع الأخيرة، وتعزز سيطرتها في المنطقة على حساب تنظيمات المتمردين الأخرى، الاكثر اعتدالا، والتي يحظى بعضها بالدعم الطبي من قبل اسرائيل. من المحتمل جدا ان يكون هذا الوضع مريحا للأسد، الذي لا يحرك ساكنة من اجل محاربة المتطرفين، على امل ان يستنتج المجتمع الدولي، وربما اسرائيل ايضا، بأنه في الخيار بين التطرف الاسلامي واعمال الاسد القاتلة، يعتبر بشار الأسد هو المفضل.
وهذا يعني انه في المناطق الحدودية مع اسرائيل، في الجولان وسيناء، يزيد تنظيم داعش من وجوده ومن قوته، بالذات حين يواجه ضائقة، بل وينسحب من المراكز الهامة في سوريا والعراق.
الكثير من المحللين يعتبرون العمليات الارهابية لداعش في اسطنبول وبروكسل، على انها محاولة من قبل التنظيم للانتقام لهزيمته او للإثبات بأنه لا يزال يتمتع بقوته. من المشكوك فيه ان هذا هو سبب اعمال القتل التي نفذها رجاله في تركيا واوروبا، ولكن من هنا يعلو الشك بأن دور اسرائيل ايضا سيصل، سواء من جهة سيناء او من جهة هضبة الجولان.
داعش لا يشكل تهديدا استراتيجيا لإسرائيل، وبالتأكيد ليس في وضعه الحالي. ولكن يمكنه ان ينفذ عمليات ارهابية، كما فعل في الماضي على حدود اسرائيل مع سيناء. ان ادعاءه بأنه يفضل التركيز على محاربة اعدائه في مجموعات المتمردين في سوريا وضد النظامين السوري والمصري، ليس حقيقيا. والدليل على ذلك انه خلافا لكل منطق، فتح حربا علنية ضد تركيا التي فضلت بالذات، الى ما قبل العمليات الأخيرة التي استهدفتها، الامتناع عن العمل ضد التنظيم، كما ان العمليات في اوروبا زادت من المحفزات الدولية لمهاجمته، في الوقت الذي يحتاج فيه التنظيم الى هدنة في سوريا والعراق. عليه فان محاولة داعش تنظيم عمليات ضد اسرائيل هي مجرد مسألة وقت.