باولا ريجيني، والدة الطالب الايطالي الذي عثر على جثته المحترقة، في الشهر الماضي، على جانب الشارع السريع بين القاهرة والاسكندرية، تهدد بنشر صورته بعد موته. وقالت الأم الثاكل خلال ظهورها العاصف امام البرلمان: "يجب التحلي بأعصاب قوية من اجل مشاهدة ما مر به جوليو.. بسبب التعذيب الفظيع تمكنت من التعرف عليه فقط بفضل الشامة على انفه". في اعقاب القتل يهدد رئيس الحكومة والوزراء بإلغاء اتفاقيات تجارية، علما ان ايطاليا تحتل المرتبة الأولى في الاستثمارات التي يحتاجها الاقتصاد المصري كحاجتنا الى الهواء من اجل التنفس. ويطالب مسؤولون كبار الآن، بنشر تحذير من السفر، واذا قام ملايين السياح الايطاليين بإلغاء حجوزاتهم، فسيشكل ذلك ضربة مالية بالغة الألم لمصر.
قضية اختطاف الطائرة التي هبطت الأسبوع الماضي في لارنكا القبرصية، عرضت الناطقين بلسان السلطة المصرية الى مواقف محرجة. فبعد قيامهم بنشر اسم غير صحيح للخاطف، خرجوا لمهاجمة (وبحق) الخاطف الحقيقي. ولكن عندما ادعوا ان لديه 16 ملفا جنائيا، ثار السؤال حول كيفية صعود المختطف سيف الدين مصطفى الى الطائرة. فقد تم مصادرة جواز سفره، واسمه يبرز على قائمة الممنوعين من السفر الى الخارج. المطلعون على الأمور اشاروا الى عادة دفع الرشوة في المطارات المصرية. احدهم يدفع من اجل التقدم في طوابير المنتظرين الكبيرة في المطار، وآخر يدفع لموظفي الجوازات، والثالث يدس الاوراق النقدية في جيوب الحراس كي يتجاوز التفتيش. في يوم الاختطاف بالذات خططوا في موسكو لإغلاق ملف الطائرة الروسية التي تم تفجيرها في شرم الشيخ، والسماح للسياح الروس بالعودة الى سيناء. لكن ظروف الاختطاف جعلت موسكو تعلن مجددا عن مصر "كدولة غير آمنة".
من جهتها وجهت صحيفة "نيويورك تايمز" صفعة مدوية الى السيسي عندما دعت في افتتاحيتها، الرئيس اوباما الى "التفكير بعمق" في العلاقات مع مصر في اعقاب اعتقال عشرات آلاف النشطاء السياسيين واغلاق منظمتين لحقوق الانسان في القاهرة. في اليوم ذاته، تم اقصاء المسؤول عن محاربة تبييض الأموال، هشام جنينة، من منصبه، وفرض الاعتقال المنزلي عليه. لقد كانت جريمته الوحيدة هي اعلانه بأن حجم السرقات من قبل الجمهور خلال فترتي ولاية السيسي (اخفاء الضرائب ودفع الرشاوى) بلغ 76 مليار دولار. لا يوجد أي نقاش حول ما اذا كان هناك فساد ام لا. لكن حجمه يقرر، واكثر الامور المريحة هي ضرب الساعي.
كما ان كم افواه المثقفين والصحفيين الذين "يزيفون" لا يتوقف. فيوم امس، اعلن قادة رابطة الكتاب العالميين (فين) عن منح جائزة للكاتب المصري احمد ناجي، مؤلف رواية "استخدام الحياة" الشهيرة التي تمت مصادرتها. وكانت الرقابة قد صادقت على رواية ناجي، وتم نشرها في المكتبات، فتلقفها الجمهور بحماسة، لكن شكوى قدمها محامي مصري ضد المؤلف مدعيا وجود "اباحية في الكتاب كادت تسبب لي نوبة قلبية"، ادخلت المؤلف الى السجن، وحكم عليه في محاكمة عاجلة بالسجن لمدة عامين.
ماذا ايضا؟ الجنيه المصري يواصل الهبوط، احتياطات العملة الأجنبية اختفت، لا وجود للمستثمرين الأجانب، ويتوقع موجة من الغلاء. المدخول المالي الذي يحققه عبور السفن في قنال السويس لم يحقق التوقعات، والسيسي يبحث عن حل سحري لإعادة الاستثمارات التي وعد بها ملايين المتبرعين لصندوق "تحيا مصر". كما ان اضافة الشيكل الاسرائيلي الى قائمة العملات المتبادلة في بورصة القاهرة يواصل التسبب بغضب عارم.
السيسي لا ينجح. رغم التصريحات المتفائلة، فان ضوائقه تتزايد واجهزته الأمنية لم تعد قادرة على اخفاء الخلافات الداخلية. في القدس يتعقبون ما يحدث ويصمتون. لا توجد كلمة واحدة حول حقوق الانسان، فهذا لا يهم اسرائيل، او عن العبوات المتفجرة. من وراء الكواليس يعتبر السيسي صديقا للأجهزة لدينا، وهؤلاء بالتأكيد يشعرون بالقلق ازاء ما يحدث لجارتنا الكبيرة في الجنوب.