بعد عقد القران وقبل الزفاف: طاعة الزوجة لزوجها أم لوالدها؟

عقد القران
حجم الخط

جدل فقهي أثارته شكاوى الكثيرات من المعقود عليهن ولم يتم زفافهن بسبب المشكلات التي تقع بين شريك حياة المستقبل وأولياء أمورهن، في الأمور المتعلقة بحق الطاعة والنفقة، وقد تؤدي تلك المشكلات إلى الطلاق، بخاصة أن الإحصاءات الرسمية أكدت زيادة حالات الطلاق قبل الزفاف، فماذا يقول علماء الدين؟

تفجرت القضية حين قامت «نجوى»، البالغة من العمر 35 سنة، بالاتصال بالدكتورة سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية البنات الإسلامية بجامعة الأزهر، وسألتها: «بعد خطبة أربع سنوات تم عقد قراني لكن تسببت الظروف الاقتصادية في اشتعال الخلافات بين والدي وزوجي بسبب تكاليف الإنفاق المتعلقة بي، وبخاصة في ظل كثرة احتياجاتي وغلاء الأسعار، وهل يتولاها زوجي قبل الدخول أم والدي؟ ولم تتوقف الخلافات حول تكاليف الإنفاق على متعلقاتي فقط، بل توسع في ظل رغبة كل منهما أن أناصره في موقفه، مما أدى إلى تمزقي داخلياً بسبب حبي واحترامي لأبي الذي رباني وأنفق على تعليمي، وشريك حياتي المستقبلي الذي أحبه ولا أريد أن أغضبه، فماذا أفعل؟ ومن له حق الطاعة؟ زوجي أم أبي».
  تفاعلت الدكتورة سعاد صالح، مع السائلة وقالت: «اختلفت آراء الفقهاء في هذه القضية المهمّة، التي تعاني منها كثيرات، في ظل التزايد المستمر في أعداد العوانس وطول فترات الخطبة، وما بين عقد الزواج والدخول أو البناء بالمصطلح الشرعي، ولهذا ينبغي التقليل من هذه المدة قدر الإمكان لتجنب المشكلات، وخاصةً ما يتعلق بالأعراض والأنساب، فضلاً عن مشكلات الطاعة والنفقة وغيرها».        

وأضافت الدكتورة سعاد: «الأصل في عقد الزواج أنه إذا تم بشروطه من الصداق والشهود والولي فإنه تترتب عليه آثار العقد الشرعية، وهي وجوب نفقة الزوجة على زوجها وطاعتها له، في ظل إتمام إجراءات ما بعد العقد حتى الدخول بها، لكن المشكلة هنا أن الزوج ممنوع من حقوقه الزوجية الكاملة بسبب العرف وليس الشرع، ومن ثم يرى جمهور الفقهاء أن انتقاصه حقوقه الشرعية لا يوجب عليه النفقة التي تبدأ بعد الزفاف، لتكتمل بذلك المنظومة الشرعية التي جعل الله فيها الزواج آيةً من آياته حين قال: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» آية 21 سورة الروم.
 ووجهت الدكتورة سعاد كلامها للسائلة، مؤكدة أنها ما لم تزف إلى زوجها فإن الطاعة تكون لوالدها أو ولي أمرها، الذي تقيم في بيته وينفق عليها، وننصح به أي زوجة معقود عليها وتنشب خلافات بين زوجها وولي أمرها أن تتصف بالدبلوماسية ولا تميل إلى طرف على حساب الآخر، وأن تحاول التوفيق بينهما والاستعانة بمن يستطيع تقريب وجهات النظر بينهما، مما يجنبها كثيراً من المشكلات التي قد تصل إلى درجة الطلاق قبل الدخول، ما يجعلها تحمل لقب «مطلقة» مع أنها لم تدخل دنيا الزواج، وأن تطبق القاعدة الشرعية في محاولة الصلح والتوفيق، وبخاصةً إذا رأت في زوجها اعوجاجاً، والتي قال الله تعالى عنها: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً» آية 128 سورة النساء.

ضوابط شرعية

يؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر، أنه يجب الاعتراف بأن سلطان العرف العملي كبير في أحكام الأفعال المعتادة والمعاملات المختلفة المتعلقة بحقوق الناس أو أحوالهم الشخصية، ويجب احترام العرف ما لم يصادم نصاً شرعياً من القرآن الكريم أو السنّة النبوية أو مصادر التشريع الأخرى، ولهذا يعتبر ما ثبت بالعرف حينئذ ثابتاً بالنص، اتباعاً للـقاعدة الـشرعية «الـثابت بالعرف كالثابت بالنص» أي أن الـثابت بالـعرف ثابت بدليل شرعي.
وأوضح الدكتور عمر هاشم أن من أوسع مجالات اتباع العرف ما يتعلق بالأسرة، ومنها حق الطاعة على الزوجة المعقود عليها ولم تدخل، فيكون لوالدها أو ولي أمرها وليس لزوجها، وكذلك حق النفقة تكون على والدها الذي تطيعه، وكذلك عدم وجود علاقة زوجية كاملة إلا بعد الزفاف، فهذه كلها أمور تعارف عليها الناس، أن الزوج لا يعاشر زوجته إلا بعد الزفاف، وهذا عرف صحيح ينبغي اعتباره والعمل به، فهو لا يصادم النصوص الشرعية، بل يؤكد مقاصد الشرع وحفظ الأعراض والأنساب ومنع المشكلات المتعلقة بها، لأن «الوقاية خير من العلاج».
وأنهى الدكتور عمر كلامه، مؤكداً أنه يجب ألا تطول فترة عقد الزواج قبل الدخول، بل الأفضل شرعاً وعرفاً ألا يتم عقد الزواج إلا قبل الزفاف بأيام قليلة، لتجنب مشكلات النفقة على الزوجة وطاعتها لزوجها أم لأبيها، وكذلك كل ما يتعلق بالعلاقة الزوجية بين الزوجين قبل الزفاف استناداً إلى قاعدة «سد الذرائع»، وهي قاعدة معتبرة عند أهل العلم، وخاصة أن المفاسد في عصرنا كثيرة قد تترتب على إقامة مثل هذه العلاقات، حتى أن بعض الآباء يعتبرون أن في إقامة بناتهم علاقة زوجية مع أزواجهن قبل الدخول، مس بشرفهم.

دليل عملي

تؤكد الدكتورة مهجة غالب، عميدة كلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن المرأة لا تستحق النفقة على زوجها طالما لم تبذل التمكين التام من نفسها لزوجها، لأنها مازالت في بيت أبيها، والدليل العملي على ذلك أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) تزوج عائشة ودخل عليها بعد سنتين من الخطبة، ولم ينفق عليها إلا بعد دخوله، ولم يلتزم نفقتها لما مضى، ولأن النفقة تجب في مقابل التمكين المستحق بعقد الزواج.
وأشارت الدكتورة مهجة، إلى أن الطاعة كذلك مرتبطة بالنفقة، فطالما أن الزوج قبل الدخول غير مكلف بالإنفاق عليها، فإنه لا طاعة له عليها، وإنما تكون الطاعة لوالدها أو وليها الذي تقيم معه، لكن من الأفضل لها ولحاضرها ومستقبلها أن تكون حمامة سلام ووفاق بين أهلها وزوجها حتى تزف إلى بيت زوجها في سلام ولا تتعرض لشبح الطلاق قبل الدخول.  

حقوق العاقد

ماذا يحق للعاقد من زوجته قبل الدخول، وهل إذا طلب حقوقه الزوجية يجب عليها طاعته، يجيب الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: «من الناحية الشرعية، يرى بعض الفقهاء أن للعاقد كل الحقوق الشرعية بما فيها العلاقة الزوجية، لكن يجب احترام العرف الذي يؤكد ضرورة التمهل حتى الدخول بها في بيته، حتى لا يوقع زوجته وأهلها في حرج أمام الناس، ولهذا قال الله تعالى: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» آية 199 سورة الأعراف.
وأوضح الدكتور رأفت عثمان، أنه لا يجوز للعاقد أن يقيم علاقة مع زوجته حتى تزف إلى بيته، لأن الإشهاد عند الدخول واجب عند المالكية، ومن ثم تحرم العلاقة الزوجية إذا لم يتم الإشهاد، وذلك لنفي التهمة وظن السوء عن الزوجة إذا تم فسخ العقد قبل الدخول، والأخذ بهذا المذهب– رغم معارضة بعض الفقهاء له- يؤيده العرف، وبخاصة في عصر فسدت فيه الذمم وضعف الدين في النفوس، ولهذا فما أهون أن ينكر العاقد معاشرته للمعقود عليها دون أن يجد في نفسه أدنى حرج، وفي هذا شر وبلاء وفضيحة تلحق بالمعقود عليها وأهلها ما لا يعلمه إلا الله.

وأشار الدكتور رأفت عثمان، إلى أنه بناء على ذلك لا طاعة للزوج على زوجته إذا طلب منها العلاقة الزوجية، وعليها التقليل من مقدماتها حتى لا تقع في المحظور، رغم أنه من المعلوم أن عقد الزواج إذا كان صحيحاً ترتبت عليه آثاره الشرعية، ومنها حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر، لكن العرف قد جرى بأن العلاقة الزوجية لا تكون إلا بعد الزفاف لا قبله، أي بعد أن ينقل الزوج زوجته إلى بيت الزوجية.
وأنهى الدكتور رأفت عثمان كلامه، مؤكداً أن لا نفقة على الزوج للزوجة المعقود عليها ولم تنتقل إلى بيت الزوجية، وإنما تكون نفقتها على وليها أو أن يشتركا معاً في تحمل نفقتها، وبخاصةً إذا كانت الظروف الاقتصادية لولي الأمر صعبة، كأن يكون فقيراً ولديه كثير من الأولاد والبنات ولا يستطيع تحمل النفقة الكاملة للابنة المعقود عليها.  

العرف الصحيح

 ترى الدكتورة مريم الدغستاني، رئيس قسم الفقه بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأزهر، أن العرف الصحيح يقيد المباح شرعاً، طالما يحقق مقاصد المشرّع الحكيم، وهي حفظ العرض وتجنب الفضائح والمشكلات المترتبة على إقامة علاقة زوجية كاملة بين الزوجة المعقود عليها فقط ولم تدخل، لأن العرف جرى في البلاد العربية على أنه يتم عقد الزواج وقد تبقى الزوجة في بيت أبيها مدة من الزمن؛ قد تطول وقد تقصر، وفي هذه الحال يتردد الزوج لزيارة زوجته في بيت أبيها حتى أن الناس يسمّونه «خاطباً»، مع أنه ليس بخاطب وإنما هو زوج شرعاً، وهذا يؤكد أن العرف قوي في عدم اعتبار الزوجية كاملة.
وأشارت الدكتورة مريم إلى أن الحقوق في الإسلام تقابلها واجبات، وحيث إنه– عرفاً– ليس للزوج حقوق كاملة، فإنه في المقابل ليست للزوجة حقوق كاملة عليه، وبالتالي فليس له حق الطاعة إذا اختلف مع ولي أمرها؛ الذي تكون طاعته أوجب من زوجها، لأنه ينفق عليها وتعيش في بيته، وكما يقال «الغُنم بالغرم».

لا طاعة للزوج

وأكدت الدكتورة فايزة خاطر، رئيس قسم العقيدة بكلية الدراسات الإسلامية بالزقازيق جامعة الأزهر، أنه ينبغي وضع النقاط على الحروف في هذه القضايا الحيوية، حتى لا يقع ما لا تحمد عقباه وتفقد الزوجة أهم ما تملك وهو سمعتها وسمعة أهلها، بل وقد تحمل لقب مطلقة وتكون أمًّا رغم أنه لم يتم الدخول بها رسمياً أمام الناس، مما يجعل البعض– بسبب العرف– يتهمها بالانحلال الأخلاقي.
وأضافت الدكتورة فايزة: «ينبغي منع إقامة أي علاقة زوجية كاملة بينهما، لما قد يترتب عليها من مفاسد، فقد لا يستطيع الزوج إتمام الزفاف لسبب من الأسباب، وعندئذ تظهر علامات الحمل عليها مما يسبب لها ولأسرتها الفضائح، وكذلك لو قدر الله سبحانه وتعالى وفاة هذا الزوج قبل الزفاف، وكان قد عاشرها وحملت منه، فلا شك أن مشكلات كثيرة ستقوم وتؤدي إلى نزاع وخصام، وهناك احتمال كبير لوقوع جرائم دموية بين العائلتين، وقد يتم التشكيك في نسب الابن أو البنت بعد وفاة الزوج، لأنه لم يدخل بها دخولاً عملياً رسمياً أمام الناس، على عكس الحال إذا تم الزفاف.
وأوضحت الدكتورة فايزة، أنه لا طاعة لزوجها عليها وهي في بيت أبيها، وكذلك لا نفقة على زوجها، ونحن هنا لا نحرّم ما أحلَّه الله سبحانه وتعالى، لكن نقيّد هذا المباح حفظاً لمصالح العباد ودفعاً للمفاسد التي قد تترتب عليه، لأن الفقهاء اتفقوا على أن العرف الصحيح الذي لا يصادم النصوص الشرعية، وهو أمر معتبر عند أهل العلم، وهناك من الأدلة الكثير على اعتبار العرف ووضع الفقهاء القواعد الفقهية في ذلك، كما في قولهم: «العادة محكمة، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، واستعمال الناس حجة يجب العمل بها».

عرف مخالف للشرع

يرى الدكتور محمد عبد المنعم البري، الأستاذ بكلية الدعوة جامعة الأزهر، أنه يجب الزفاف عقب عقد الزواج لتجنب المشكلات العرفية التي تتعارض مع أحكام الشرع،  حيث أرى أن طاعة الزوج مقدمة على طاعة الأب أو ولي الأمر بمجرد عقد الزواج، حتى لو تأخر الزفاف سنوات، وكذلك يجب على الزوج الإنفاق عليها أو على الأقل تحمل القدر الأكبر من النفقة لأنها زوجته، حتى لو كانت في بيت أبيها، لأن طاعة الزوج فريضة، حيث قال الله تعالى: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» سورة النساء الآية 34.

فهذه الآية قررت للرجل حق القوامة على المرأة، فلا قوامة من دون طاعة الزوجة لزوجها، ولهذا يجب على المرأة أن تسمع وتطيع زوجها إذا أمرها بالمعروف، حتى لو كانت في بيت أبيها، لقول الله تعالى: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ» الآية 227 سورة البقرة. وعلى الزوجة المعقود عليها طاعة زوجها، لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها».
وأنهى الدكتور البري كلامه مؤكداً ضرورة أن يعقب عقد الزواج الزفاف بمدة قصيرة، لأن الأصل أن عقد النكاح إذا تم بشروطه من الصداق والشهود والولي، فإنه يترتب عليه كل آثاره الشرعية، ومنها حق الزوج في إقامة علاقة زوجية، لأنها ليست حراماً، ولهذا يجب تغيير العرف ليتناسب مع أحكام الشرع وليس تطويع أحكام الشرع لتتلاءم مع العرف، وإذا افترضنا جدلاً أنها قضية اختلط فيها الحلال بالحرام، فعلينا اجتناب الشبهات؛ لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «إنَّ الحلالَ بَيِّنٌ والحرامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُما أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَات فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِه وَعِرْضِه, وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ, كَالرَّعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ, أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمَى, أَلا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُه».