ارتفعت الضرائب في قطاع غزة في الأشهر الأخيرة بشكل لافت دون أي مبرر ودون أن يعود ذلك الارتفاع بالنفع على حياة الناس وتطوير مستوى معيشتهم. ويمكن لمتابع أن يصاب بالدهشة حين يدرك أن سعر علبة السجائر في القطاع الآن أغلى من سعرها في سويسرا مثلاً، وأن بعض السجائر ارتفعت مئات بالمائة، وهذا يشمل التبغ كله. والأمر نفسه قد ينسحب على الكثير من البضائع والسلع التي تشمل الأدوية كما يمكن تبين ذلك من قياس سلة المشتريات للمواطن العادي ومقارنتها قبل أشهر. وربما سيكون الأمر أكثر دهشة إذا تم مقارنته بسلة المشتريات قبل سنوات، والواضح أن ثمة ارتفاع متذبذب وهو ما يعني أنه في بعض الأحيان يكون مهولاً، في ظل ثبات الأجور وربما تدهورها. لا أحد يعرف من يفرض الضرائب في غزة، وإذا كانت الحكومة فعلاً من يقوم بذلك فهل هي حكومة السيد رامي الحمد الله التي تفعل ذلك؟ وهل من يفرض هذه الضرائب يضع نصب عينيه مصلحة المواطنين المنهكين أصلاً؟ وهل يقوم بجبايتها من أجل تطوير الخدمات للناس، أم أن هناك من ينظر إلى غزة على أنها بقرة حلوب ومصدر للجباية يجب أن يتم استنزافه؟ من المؤكد أن الإجابة على التساؤلات السابقة لن تزيد فهمنا بشيء، إذ إن الأساس أن يتم التخفيف عن السكان لا إرهاقهم، كما أن حكومة السيد رامي الحمد الله لا تحكم في قطاع غزة، وأنها لم تكن إلا حكومة تجميلية للانقسام ولم تعمل على إنهائه، ولو فعلت لما انخرط التنظيمان الكبيران في محادثات ماراثونية من أجل البحث عن صيغ جديدة لوضع حد لمدية الانقسام الدامية لجسد الناس والقضية. وأساس فرض الضرائب قائم على أن الجهة السياسية الحاكمة – بغض النظر عن كينونتها وهويتها - تجمع الضرائب من أجل أن يتوفر لها المال الكافي لتوفير خدمات مريحة للناس. وربما تطور جمع الضرائب بشكلها الحديث من العصور الوسطى المتأخرة وبداية العصور الحديثة حين بدأت تتكون نوّيات الدولة الوطنية الحديثة كما نعرفها الآن، يخبر كيف ارتبط ظهور التمثيل السياسي بظهور الضرائب، وأن الضرائب حق للدولة يستوجب عليها مشاركة من تجبي منهم الضرائب في صناعة القرار وبالتالي ظهور البرلمانات بدلاً من بلاط الملوك، وبعد ذلك ظهور عبارة «لا ضرائب بلا تمثيل»، الشعار الأثير للثورات الديمقراطية منذ الثورة الأمريكية. وبشكل عام فإن الضرائب ليست حقاً للدولة، ولا يجب للسلطة السياسة أن تنظر لها أنها حق، إذ إن أساس الحكم هو التعاقد وفق روسو ورفاقه من منظري العقد الاجتماعي، بين المواطنين والسلطة السياسية، وليست الضرائب أحد مظاهر وفاء المواطنين بشروط هذا العقد وتكفلهم بالمساهمة في تمويل خزينة الدولة حتى تصبح قادرة على تطوير الخدمات اللازمة. لذا فليس من المستغرب مثلاً أن أكثر الدول فرضاً للضرائب أو تلك الدول التي تصل فيها نسبة الضرائب إلى نسب مرتفعة من مداخيل مواطنيها هي أفضل الدول تقديماً للخدمات، وهي ما يطلق عليه دولة الرفاه الاجتماعي مثل السويد وبقية الدول الإسكندنافية. ما يحدث عندنا للأسف هو أن على المواطن أن يدفع فاتورة الانقسام، وعليه أن يمول استمراره، وبالتالي عليه أن يعاني الأمرّين من أن يعيش الانقسام، وهو يجب ألا يحاول أن يفهم ما يجري، ولا يحاول أن يسأل، وعليه أن يدفع الضريبة ضريبتين لأن ثمة سلطة سياسية لا تعترف بالسلطة السياسية الأخرى. مثلاً لا أحد يفهم حتى الآن بعد قرابة تسع سنوات ما يجري في قضية الكهرباء، بل بات المواطن خبيراً في الكثير من القضايا الفنية، مثل ضريبة البلو التي علي أن اعترف أنني لا أعرف سبب تسميتها بهذا الاسم، لكنني مثل زملائي المواطنين الصالحين بت أرتعب من اسمها ومن النقاش حولها مثل رعبنا من داء نجهله. ولا أدري كما لا يدرى كل المواطنين مثلي ما ذنبهم في أن يعيشوا في الظلام بسبب هذا الخلاف، أو لأن أحداً يريد أن يجبي الضرائب ولا يريد للطرف الآخر أن يجبيها. والأساس أن ننتبه إلى أن السلطة في رام الله لم تترك مسؤوليتها تجاه قطاع غزة، وكان يمكن لها أن تتحلل من هذه المسؤولية مباشرة بعد حزيران عام 2007، وأن تدير ظهرها لقطاع غزة وتقول إن على السلطة الحاكمة لغزة أن تتدبر أمرها، وكان يمكن لها أن تجد مناصرين كثر لهذا الخيار خاصة في المجتمع الدولي الذي ضغط عليها من أجل أن تقوم بذلك. وربما ندرك أنها كل سنة تواجه ذات المشكلة في حواراتها مع الممولين خاصة الأوروبيين منهم، لكنها واصلت تغطية الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية ورواتب الموظفين وغير ذلك. وبالطبع علينا أن نتذكر أن هذه مسؤوليتها أولاً وأخيراً بوصفها سلطة الشعب الفلسطيني والمنبثقة عن ممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير. لكن آلة الانقسام الحادة تعمل نصلها في جسد المواطن. وربما الأهم من كل ذلك إذا كنا حقاً ذاهبين إلى مصالحة وطنية حقيقية، فلماذا يتعذب المواطن حتى آخر دقيقة؟! ولماذا يجب أن يظل ينتظر حتى اللحظة صفر؟!. لماذا لا يتم التخفيف عنه حتى يصدق ولو لدقيقة أن ثمة أمل، وأن النهايات السعيدة يمكن أن تحدث، وأن الانقسام الأسود ليس مصيراً أبدياً لا يمكن الفكاك منه، بل يمكن أن يزول؟ وحتى لو لم يتحقق ذلك، لماذا يظل المواطن السلعة التي عليها أن تدفع ثمن صمودها وبقائها في الوطن بعد أن فشلت كل آلات التهجير والتنكيل والذبح في جعله ينسى؟ لماذا لا نرفع شعار المواطن أولاً؟!. لأننا لو فعلنا ذلك لكنا اكتشفنا أن الانقسام أوهن من بيت العنكبوت وأنه إلى زوال.