المرور من نص المخالفة إلى: هــل أنــت مـذنــب؟

84443
حجم الخط

إدارة السير في رام الله تنفذ حملة على ما أظن في المحافظة، والسيناريو التقليدي المتبع للحصول على مخالفة لم يتغير،  يتطلب الأمر أن تختار الدورية موقعاً بعيداً عن الأنظار في مفارق ملتبسة تماماً، بسبب التغيير المستمر لاتجاهات السير، وهي تغييرات لا ترتبط بحملة توعية أو توضيحات مقنعة أو حملة إعلامية حقيقية على الأقل، بحيث يأخذ الأمر شكل المفاجأة في بعض الشوارع، وبعضها لا يشتمل على إشارات واضحة بحيث يترك الأمر لاجتهاد المواطن في كثير من الحالات. بين مفاجأة تبديل اتجاهات السير التي تشرف عليها البلديات ومفاجأة دورية شرطة المرور يتحول الأمر إلى كمين محكم يصعب نجاة المواطن من براثنه. ثمة سوء فهم واضح لدى مديرية السير في بلادنا يشوب علاقتها مع سلامة المواطن، الأمر ليس توريط المواطن وجره إلى الكمين والقبض عليه متلبساً ثم معاقبته تحت شعار «السلامة» الذي لا يختلف اثنان على ضرورته، بحيث تكاد مهمة شرطة السير تنحصر في تسجيل المخالفات وليس إيجاد نظام مروري يعتمد على وعي المواطن. الأصل هو التوعية ونشر “ثقافة السلامة». هذا ليس دفاعاً عن الفوضى التي تعم شوارعنا، وهي شوارع فقيرة وسيئة التجهيز في معظمها، وليس دعوة للتغاضي عن طيش السائقين الذين يتجولون مثل اقتراحات موت جاهزة في شوارعنا. زيارة ليلية بعد التاسعة مساء لشارع حيوي، مثل شارع الطيرة سيمنح المتأمل نموذجاً عن الواقع الطائش والمغامرة الليلية التي تحيط بالأحياء السكنية، العائلات والمتنزهين والأطفال والمارة. أحاول أن أتحدث حول جهد تشاركي حقيقي بين الجهات المسؤولة عن تخطيط الشوارع وصيانتها وتنظيم المرور من جهة والمواطن من جهة ثانية. بمجرد أن يوقع الشرطي ورقة المخالفة ينضم المواطن المستهدف إلى مسيرة طويلة من المعذبين، خاصة تلك المخالفات التي تقتضي المثول أمام المحكمة، أو في حالة تعذر دفعه لقيمتها في الوقت المناسب. للحقيقة المسيرة تبدأ من الصياغة الغريبة لنص المخالفة والتي تدين، بلغة لا لبس فيها، المواطن قبل وقوفه المذل أمام القاضي الذي سيوجه له السؤال الحاسم: هل تعترف بذنبك؟ على المواطن الذي بدد يوماً كاملاً في قاعات المحكمة أن يعترف، حسب نصائح المجربين، بذنبه، إذ إن أية محاولة لتوضيح موقفه أو الاحتجاج تعني مضاعفة المخالفة أو التأجيل إلى جلسة أخرى وفي أفضل الأحوال عدم أخذ رأيه بجدية. هذا السياق المذل فعلاً لدفع مخالفة سير بحاجة إلى إعادة نظر حقيقية، فهو أسوأ بكثير من حفرة كبيرة في شارع رئيس.