مشاكل الجوار: هل تصحح العقيدة ما أفسدته السياسة؟!

796481255764250
حجم الخط

كانت إيران خلال عهد الشاة على علاقة سيئة مع معظم الدول العربية، وذلك لأنها كانت مع تركيا والعراق الملكي، ضمن ما يسمى بحلف بغداد الموالي للغرب الاستعماري، والذي كان يناصب حركة التحرر العربية التي كان يقودها جمال عبد الناصر، منذ خمسينيات القرن العشرين الماضي، العداء. وكانت تركيا كذلك تكاد لا تقيم أية علاقة إلا مع القليل من الدول العربية، حيث كانت تركيا الطورانية ترى في العرب أمة انقلبت عليها في الحرب العالمية الثانية، حين سعى الشريف حسين بن علي والي مكة إلى تحرير العرب من الاستعمار العثماني، وإقامة مملكة العرب، فكان أن تحالف مع الحلفاء بقيادة بريطانيا العظمي، ضد المحور الذي كان يضم تركيا العثمانية، ورغم أن أتاتورك قاد تركيا للتخلص من إرث الرجل العثماني المريض، وأقام تركيا علمانية أقامت علاقة دبلوماسية واعترفت بإسرائيل وكانت الدولة المسلمة الوحيدة في العالم التي تفعل ذلك، إلا أن الأتراك احتفظوا بمشاعر الحقد على العرب. حتى عام 1979، ظلت إيران تبدو دولة جوار لدودة لدى معظم العرب، ولم يقم علاقة مع إيران الشاه سوى دول محدودة، مثل الأردن، ومصر / السادات، لكن الأمر تغير تماما بعد ثورة الخميني، التي دعمها ياسر عرفات، حين كان يقدم كل عون ممكن للمعارض الإيراني حين كان يقيم في باريس، لأن الشاه كان يناصب قضايا العرب القومية والتحررية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية العداء. كذلك ظلت تركيا صديقة لإسرائيل نكاية في العرب، لكنها منذ أن تولى الحكم فيها الإسلاميون، تغير الأمر لدى الأحزاب العربية الإسلامية ومن ثم لدى الكثير من الدول العربية رغم أن حكم الإسلاميين، لم يغير كثيرا من طابع الدولة «كما حدث مع إيران مثلاً»، فلم تتحول إلى دولة دينية، تطبق نظاما متزمتا، كما لم تغير كثيرا من سياساتها الخارجية، لا تجاه الغرب، ولا تجاه إسرائيل. وكلا البلدين، احتفظتا بمخلفات الماضي على صعيد ما يمكن وصفه «بحسن أو سوء الجوار»، فإيران التي ورثت احتلالا منذ مطلع القرن لبلاد الأحواز العربية، والتي تبلغ مساحتها ما يقارب مساحة سورية، كذلك احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث، وتوترا مع عراق / صدام حسين، أبقت عليه، ولم تتقدم للجيران العرب بأية بارقة حسن نية، تدل على تغير في السياسة القومية الفارسية، التي كانت متبعة أيام الشاه تجاه الجيران، والتي قد يمتد بعضها إلى قرون طويلة، منذ أسقط العرب المسلمون بفتوحاتهم الإسلامية حكم كسرى. وتركيا / أردوغان، ومن قبله نجم الدين أربكان، لم تقدم على إعادة لواء الإسكندرون الذي منحتها إياه فرنسا المستعمرة لسورية عام 1939، رغم انه كان قبل ذلك، أي خلال حكم الدولة العثمانية، تابعا لحلب! تعتمد إذا كل من إيران وتركيا في تسللها للداخل العربي على وشائج عقائدية / طائفية _ مذهبية، بدأت إيران التسلل داخل الشقوق العربية بحجة أنها معادية للغرب وداعمة للمقاومة، ورغم أن م.ت.ف _ مثلاً، وبالذات _ تعتبر «ترمومتر» حركات التحرر، والدال عليها، ورغم أن م.ت.ف ياسر عرفات قدمت كل الدعم للخميني، إلا أن إيران لم تدخل البيت الفلسطيني من بابه، بل تسللت من النوافذ _ حماس والجهاد _ وبعد تحول حماس للتحالف الإقليمي _ السني المعارض للنظام العربي القائم ( تركيا / قطر)، وكذلك بعد رفض الجهاد تأييد الحوثي / صالح في اليمن، وجهت إيران «دعهما» للصابرين! تركيا كذلك، ورغم أنها أكثر توازنا، ألا أنها تهتم لأمر غزة، بسبب سيطرة حماس عليها، أكثر من اهتمامها بالقدس، ولا يكاد احد يلمس أي انحياز لها للقضية الفلسطينية، بل العكس هو ما يمكن تلمسه، فهي ما زالت تحافظ على علاقة متميزة جدا سياسيا وأمنيا / عسكريا مع إسرائيل والغرب. مع إسرائيل، يمكن الحديث عن «مثلث» دول الجوار التي تحتل أراضي، بل دولا عربية، فإذا كانت إسرائيل تحتل فلسطين بالكامل، إضافة للجولان وشبعا، فإن إيران تحتل دولة الأحواز التي تبلغ مساحتها نحو ستة أضعاف مساحة فلسطين، إضافة للجزر الإماراتية، فيما تحتل تركيا لواء الإسكندرون، وكلا الدول الثلاث تتطلع إلى ما هو أكثر من ذلك، إلى السيطرة أكثر على ثروات العرب، خاصة النفطية منها، وإلى السيطرة على القوة الشرائية للعرب! المشكلة تكمن في تراجع الدافع القومي، وإذا كان البعض يجاهر بالعلاقة مع إسرائيل، فإن الحال مع تركيا وإيران أسهل للكثيرين حتى يقيموا العلاقات وحتى التحالفات بحجة الإخوة الدينية أو بحجة «ثورية إيران» مع أن إيران تحالفت وما زالت مع أميركا ضد عراق صدام، وداعمة لعراق الشيعة، وتركيا أردوغان، تحلم بمبادلة مياه دجلة والفرات بنفط كركوك!