العاصفة التي أثيرت عقب إطلاق النار على «مخرب» جريح في الخليل، وضعت المجتمع الإسرائيلي أمام مشهد، ووضعته وجهاً لوجه إزاء الواقع المعقد للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، والاحتلال – الذي تُشكل أوامر فتح النار، وأخلاق الجيش الإسرائيلي، والنقاش العام والسياسي المتطرف والعنيف مجرد جزء منه. وتعكس حادثة إطلاق النار على «المخرب» بصورة مؤلمة واقعاً مستمراً منذ 50 عاماً تقريباً. لقد شهدنا في الماضي عواصف إعلامية وعامة مشابهة: من خلال صور «سيلفي» التقطتها جنديات وإلى جانبهن فلسطينيون مكبلون، وقائد اللواء الذي ضرب ناشطاً أوروبياً في الدفاع عن حقوق الإنسان، وتظاهرات التأييد للجنود التي تطالب بـ»تركهم يقومون بعملهم»، والهجمات على رئيس الأركان لأنه قال ما هو بديهي بشأن ضرورة الالتزام بأوامر فتح النار، وكلام السياسيين العديم المسؤولية بشأن ضرورة عدم السماح للمخربين بالخروج أحياء من أي حادث [هجوم] بغض النظر عن درجة خطورته. ويبدو أن المنحدر هذه المرة أشد انزلاقاً، وخطر الانزلاق يبدو ملموساً أكثر. إن واقع الاحتلال آخذ في قضم هوية إسرائيل اليهودية والديموقراطية، وهو يلحق الضرر بقيم أساسية في مجتمع ديموقراطي، لذا فهو يمس بحصانة المجتمع. في أحسن الأحوال، يمكن القول إن إطلاق النار في الخليل كان نتيجة الخوف، الذي يثير الكراهية، التي تثير التهجم والعنف. وفي أسوأ الأحوال هو نتيجة الوحشية. إن المجتمع الإسرائيلي الذي يؤيد علناً أو من خلال صمته، ردود الفعل القاسية حيال الفلسطينيين - يخسر من خلال التآكل المستمر أهم أساس لوجوده: قيمه. إن محاربة «الإرهاب» الفلسطيني دون هوادة لا يمكنهت الاستناد إلى فوضى عملانية وعربدة جماهيرية. لقد وصلنا إلى وضع نرى فيه إسرائيليين مؤيدين لحكومة اليمين الحالية ينشرون بيانات تشهّر برئيس الأركان بصورة خاصة، وبموظفين في مناصب رفيعة بصورة عامة. وهناك من يحفل كلامه وكتاباته بمصطلحات تحريضية مثل «خيانة» ضد كل من لا يفكر مثله. ومن يحاول نزع الشرعية عن الهيئات التي وضعت هدفاً لها المحافظة على الأخلاق العسكرية هو شريك في هذا التوجه الخطر، ولا يمكنه أن يغسل يديه. ومع الأسف هناك كثيرون منهم، وعددهم آخذ في الازدياد. إن استمرار الاحتلال يطمس كل خط أحمر بين ما هو قانوني وما هو غير قانوني، وعدم وجود حدود سياسية بيننا وبين الفلسطينيين يطمس الحدود في جميع مجالات حياتنا كمجتمع: حدود الأخلاق، وسلطة القانون، والرحمة، والعنصرية والعنف. إن النقاش العام الدائر بشأن أوامر فتح النار ومصير الجندي الذي أطلق النار ثانوي أمام الحاجة الوطنية الملحّة لوضع إسرائيل على طريق يؤدي إلى إنهاء الاحتلال. والمطلوب هو تعليمات للبدء بمبادرة سياسية كي نوقف التدهور الأخلاقي للمجتمع الإسرائيلي. والمبادرة المطلوبة واضحة وحان الوقت كي نطرحها بشجاعة على الطاولة وننفذها وهي: الفصل [بين الفلسطينيين والإسرائيليين] وترسيم الحدود بمبادرة مستقلة تؤدي إلى إنهاء الاحتلال من خلال إنشاء واقع لدولتين قوميتين. والتجمع في داخل الكتل [الاستيطانية] ووقف البناء في المستوطنات المعزولة، والاستعداد لإخلائها ونقل [سكانها] إلى داخل حدود، توجد ضمنها أغلبية يهودية واضحة، والتعويض على المستوطنين ونقل من أرسلتهم حكومات إسرائيل إلى داخل الحدود المتفق عليها. وفي ذروة عاصفة إطلاق النار في الخليل تحديداً، يجب ويمكن الإشارة إلى تغيير الاتجاه.