أطلق الكاتب المقدسي الكبير محمود شقير كتابه الجديد "رام الله التي هناك" الصادر حديثا عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل والذي يستهدف فيه الكاتب فئة اليافعين من الفتيات والفتيان.
جاء الكتاب في (71) صفحة من القطع المتوسط، معتمدا على عرض سيرة رام الله من خلال (39) عنوانا فرعيا، تناول فيها بإيجاز كل تلك التفاصيل التي عاشها في المدينة منذ عرفها في عام (1957)، وحتى الآن، مظهرا حبه للمدينة ولكل متعلقاتها الإنسانية والفكرية والتي ساهمت في تشكيل وعيه ككاتب وسياسي.
وقد تضمن الكتاب العديد من الرسائل التربوية والإبداعية خاصة تلك المرحلة التي كان فيها شقير معلما، وكيف كان يعامل طلابه، إذ كانت علاقته بهم علاقة مميزة، تشعر من خلال ما كتب شقير أنه فخور بهؤلاء الطلبة الذين علمهم في مدارس متعددة، وقد أشار شقير إلى ذلك في أكثر من موضع في الكتاب وخاصة حين كان معلما في المدرسة الهاشمية.
وقد جاء كتاب شقير استمرارا لفكرة الكتابة عن المكان، حيث انبثقت الفكرة مع عودة مجلة الكرمل للصدور مجددا من مدينة رام الله بعد عودة الشاعر محمود درويش من المنفى وتخصيصه بابا في المجلة للكتابة فيه تحت عنوان "ذاكرة المكان.. مكان في الذاكرة" فيكتب شقير عن القدس، كما كتب كتاب آخرون عن مدنهم، وقد تمخض عن ذلك عدة مؤلفات مهمة قصرها أصحابها على الحديث عن المكان، منها كتاب شقير "ظل آخر للمدينة" على سبيل المثال.
يجمل شقير مكانة رام الله في كلمته التي ألقاها في مكتبتها العامة والتي قال فيها: نتذكرها ونحن نحتفي بمكتبتها العامّة، باعتبارها واحدة من أكثر مدن فلسطين تحضّراً واستنارة وانفتاحاً على العالم، ومن أكثرها احتراماً للثقافة واعتناء بها وتواصلاً معها، ما يعني احترامها الأكيد للكتابة وللكتاب. رام الله درّة في جبين البلاد، ومكتبتها العامّة كنز من المعارف التي تمهّد السبيل لغد مشرق، ولمستقبل مبرّأ من الجهل والتخلّف والانغلاق والهوان.
ورام الله والقدس هما بالنسبة لي صنوان. فيهما عشت سنوات غير قليلة. في القدس تعلّمت القراءة والكتابة، وفي رام الله وأختها البيرة علّمت القراءة والكتابة. في القدس ابتدأت كتابة الأدب، وفي رام الله واصلت مشوار الكتابة. في رام الله ابتدأت مسيرتي في العمل السياسي، وفي القدس واصلت المسيرة"، واحتملت ما ترتّب عليها من تبعات.
تناول شقير في كتابه عن عاصمة فلسطين الثقافية عناوين فرعية مشوقة بالشارة إلى البعيد القريب بقوله: تلك البيوت، تلك المدرسة، ذلك الحفل، ويمكن تقسيم الكتاب إلى فصلين لم يقم الكاتب بتقسيمها فالفصل الأول يتناول حياة الفتى الصغير في رام الله وقراها حين كان طفلا يرافق والده العامل ثم حين أصبح معلما في المدرسة الهاشمية وتنقله في عدةبيوت، والفصل الثاني يتناول فترة مابعد عودته من المنفى القسري حيث أبعده الاحتلال الى خارج فلسطين لعدة سنوات وصلت إلى ثمانية عشر عاما قضاها مابين عمان ولبنان وبراغ، ثم عاد محملا بالحنين والشوق وكان أول ما خطر بباله حين عاد ثانية إلى رام الله أن يزور البيوت التي سبق ان سكنها فكتب يقول: أن تذهب إلى بيت لم تعد لك أيّة علاقة به، تقول لساكنيه وأنت تستنفر كلّ ما لديك من دماثة وحسن نيّة: أقمت هنا ذات مرّة، وأرغب في إلقاء نظرة على البيت من الداخل إذا أمكن. سينظر إليك الزوج بعدم ارتياح. قد تكون زوجته تستحمّ أو تحمّم أولادها في تلك اللحظة، تغنّي بصوت عالٍ في الوقت نفسه. وليس من اللائق أن يضطرّ زوجها إلى إيقافها عن الغناء لأنّ متيّماً بالبيت وصل للتو.
المبهج في كتاب شقير أنه لم يترك شيئا في رام الله القديمة والحديثة إلا وتحدث عنه، فتحدث عن كنائسها ومساجدها وأصدقائه الذين عرفهم فيها وفيما بعد تراه يكتب عن الحركة الثقافية المشتعلة والمتشظية فيها وهو في كل حال لا يتوقف عن حب هذه المدينة والتي شارك في جنازات أصحابه مابين كنائسها ومساجدها، ويبدو وفيا لكل ركن فيها ، وفيا بحب لا ينضب واحساس لا يتغير نحوها ووصفه بأسلوب سردي سلس سيشد القاريء الذي لم يزر رام الله لو مرة واحدة فيتعرف على شوارعها ودور السينما الثلاثة فيها ومكتبتها العامة وغيرها من الأماكن العامة وحتى المقاطعة والتي كانت سجنا وتحولت لمركز للحكم وقضى فيها ياسر عرفات سنوات من الاقامة الجبرية قبل أن يغاردها في رحلته الأخيرة نحو فرنسا ويعود لها جثمانا بلا روح.
يشار أن شقير من مواليد جبل المكبر في القدس عام 1941، يكتب الرواية والقصة القصيرة وقصة الأطفال، وكتب المسلسلات التلفزيونية والمسرحيات، أصدر حتى الآن سبعة وأربعين كتاباً ترجم العديد منها إلى الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية والصينية والكورية والإيطالية والمنغولية والرومانية والتشيكية، وفاز بجائزة محمود درويش للحرية والإبداع عام 2011 كما ترشحت روايته" في مديح نساء العائلة" لجائزة البوكر ووصلت إلى القائمة القصيرة فيها.