دعت «النيويورك تايمز» في مقال افتتاحي إلى فك العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة ومصر، بسبب السجل الأمني للنظام. وأعادت إلى الذاكرة الزعم بأن الجيش أقصى الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي. ولم تتوقف لحظة، أو فقرة، عند سجل العام الذي أمضاه مرسي في الرئاسة. وكما تفعل جميع صحف أميركا كلما تحدثت عن مصر، طلبت الصحيفة وقف المساعدة الأميركية وقدرها 1.3 مليار دولار، تذهب كل عام إلى أكبر دولة عربية.
ليس من عادتي الدفاع عما يسمى بـ«السجلات الأمنية» ولن أفعل، مهما كانت المبررات. أنا مع الأمن، مطلقًا، ولكن أيضًا مع القانون بالمطلق. أما كيف تجمع الدولة بينهما، فهذا شأنها. وأما مساعدة الـ1.3 مليار دولار، فقد كتبت غير مرة، أن الأفضل ألف مرة أن توقفها أميركا من أن تمنّن بها مصر مرة واحدة.
يبقى الموقف الأميركي العام من مصر خصوصًا في عهد أوباما، الذي يخاطب رئيسها قائلاً ارحل، وبعد فترة، تعلن إدارته أنها لم تكن تعرف أن «الإخوان» حزب خطر يؤمن بالعنف.
قبل أن تفكك «النيويورك تايمز» الشراكة مع مصر حرصًا على «الديمقراطية»، يجب أن تعي أن مصر دولة محاصرة. وأن مصر مهددة من سيناء، ومن ليبيا، ومن الانفجارات اليومية التي تؤرق أمنها وتقتل جنودها. ومصر تتعرض لحملات مفتوحة ومجانية من دول عربية وغير عربية. ومصر في قلب منطقة مشتعلة معرضة للتفكك والانهيار.
كل ذلك لا يبرر ارتكابًا واحدًا مثل مقتل الباحث الإيطالي الشاب في جريمة تعذيب، أو سواه. لكن أيضًا ما الفائدة في أن تنضم أميركا إلى الحصار المضروب حول مصر؟ وما الحكمة من ترك مصر لمصاعبها في هذا الخضم المرير؟
مصر اليوم في حاجة إلى أعداء أقل، إن لم يكن إلى أصدقاء أكثر. وقبل الخارج، هي في حاجة إلى وقفة ضمير داخلية. الحكومة لا تستطيع وحدها أن تحكم. هي حكومة وإدارة، وليست صانعة معجزات. المعجزة يجترحها الشعب المصري عندما يُدرك مدى مسؤوليته وأهميتها، الآن ودائمًا. عبد الفتاح السيسي يستطيع أن يكون رئيسًا أمينًا، لكنه لا يستطيع أن يكون 90 مليون مصري. لكن على 90 مليون مصري أن يكونوا عبد الفتاح السيسي. ما من حل آخر، لأن كل شيء إلى تفاقم. والخطر يكون عامًا، لا انتقائيًا.
عن الشرق الاوسط