نواف العامر بصمة فريدة في الصحافة الاعتقالية "رموش من فولاذ"

06121313389245793081323683323754
حجم الخط

الصحفي نواف العامر الذي استطاع برغم كل الصعوبات أن يضع بصمته في مجال أدب الأسرى، وان يكتب بطريقة موسعة عن الصحافة الاعتقالية التي قلما يكتب أحد عنها بمثل هذه الدقة والتوسع، حيث استطاع استثمار وقته في السجن بكتابه مسودات وملاحظات عن الحياة داخل جدران سجون الاحتلال الإسرائيلي.

ولد العامر في قرية كفر قليل قضاء مدينة نابلس في العام 1962م، وكان منذ صغره متفوقاً على أقرانه، درس المحاسبة في الأردن، وكان أحد الفلسطينيين الذين أبعدتهم إسرائيل إلى مرج الزهور في لبنان عام 1994م، الذي ذاق فيه الأمرين لدرجة أطلق على تلك الأيام اسم :" صراع من أجل البقاء" حيث كان يجب عليه وعلى من معه أن يحافظوا على حياتهم من العقارب، والأفاعي، والبرد القارس في تلك المنطقة.

لفت نظر العامر العمل الإعلامي خلال وجوده في مرج الزهور حيث كان الصحفيون كثيراً ما يأتون لمقابلته وزملائه، فقعد العزم على العمل في الصحافة، وعند إعادته لفلسطين تلقى دورة في الصحافة، وبعد ذلك بأربع سنوات التحق في جامعة بيرزيت ليدرس الإعلام هناك.

وللعامر قصة طويلة مع اعتقالات الاحتلال الإسرائيلي له حيث أعتقل أكثر من عشرة مرات حتى الآن، وكان يستغل فرصة وجوده في السجن ليمارس عمله الإعلامي بكتابته لملاحظاته عن حياة الأسرى في السجن، وإصداره الكتب في الصحافة الإعتقالية، وكانت أخر كتبه كتاب "رموش من فولاذ" الذي سيتم إصداره خلال هذا العام، والذي استغرقت كتابته شهراً.

وللوقوف على تفاصيل كتاب "رموش من فولاذ" وظروف كتابته ومحتوياته كان لـ"رايـة" مع العامر اللقاء التالي:

- نحن نعلم أنك بدأت بكتابة مسودة لرموش من فولاذ خلال فترة أسرِك في العام 2002م فما الذي حدث لها؟

نعم، اسم  كتاب "رموش من فولاذ"  كان في ذهني منذ اعتقالي في العام 2002م، حيث كنت في السجن السري الإسرائيلي، وبعد الحكم الإداري انتقلت إلى سجن عوفر، لأبدأ بكتابة بعض المشاهد والمواقف التي أراها في السجن، كنت قد كتبت كل ذلك في دفتر صغير أخفيته في مكان سري في مشتاح أنام عليه، فقد حفرت فيه وخبأت الكتاب بين خشبه، ولكن في أحد الأيام قامت مخابرات الاحتلال باقتحام  القسم الخامس الذي كنت متواجداً فيه، لم يفتشوا سوى (سريري) مشتاحي، ووجدوا الكتاب فيه وصادروه، يبدو أن أحداً ما أخبرهم بمكانه.

- قمتَ بكتابة الكتاب خلال فترة سجنك في العام 2011م، فكيف عاد إلى ذهنك بعد تسع سنوات؟
عندما تم اعتقالي في العام2011م عاد الاسم من جديد ليتردد في عقلي، ولكن المحتوى هذه المرة كان مختلفاً عن المرة السابقة، حيث تخصصت في الصحافة الإعتقالية، فللأسف من كتب فيها لم يكتب بتوسع وتخصص، فالكل كتب في البعد العام فقط.

- لقد جمعت في كتابك بين الشقين النظري والعملي، فما الذي شمله كل شق؟
رصدت في سجن مجدو حوالي 52 ظاهرة من ظواهر الحياة الاعتقالية، حيث شمل الجانب العملي المحاور التالية، البوسطات (النقل بين السجون) بعنوان"اعرف وطنك إجبارياً ومجاناً"، والمرض في السجون، ووسائل الاتصال بين الأسرى والأهالي، والأشقاء المعتقلين، وكذلك كل ما يتعلق برمضان في السجون، وظاهرة الألقاب، وظواهر اللباس والموضة، والأدب، والإعلاميين في السجون، والطباخين، والاتجار بالسجائر والجوالات، ومشاهدات لواقع الأسرى اليهود الجنائيين الذي التقيتهم في رحلة البوسطة، وبيوت العزاء، والاحتفالات، وابتكارات السجناء في مجال الألعاب والرسوم.

وأما الجانب النظري فتضمن تاريخ الصحافة الاعتقالية ونشأتها، وكيف استطاعت الحركة الأسيرة الانتقال من ثقافة التجهيل إلى الوعي، والتعامل مع وسائل الإعلام، وكذلك دورات الصحافة في السجون، ومعيقات وصول الصحف للأسرى، وتعلق الأسرى بالمحطات الإذاعية والتلفزيونية، ومحو الأمية، وفي النهاية أفردت فصلاً كاملاً للحديث عن مميزات الصحافة الإعتقالية.

وأتهم نفسي أن هذا الكتاب هو الأول من نوعه في توصيف، وشرح جوانب غفل عن تطويرها ونقلها الإعلاميون داخل السجون.

- نحن نعرف أن لكل شيء في هذه الحياة صعوبات يواجهها، فما هي الصعوبات التي واجهتك عند كتابة الكتاب وبعد ذلك؟

الكتابة ليست صعبة، ولكن الصعوبة تكمن في توفير الوقت للكتابة حيث كنت أكتب في فراغي بالسجن من الساعة 12 وحتى الساعة 3 صباحاً على ضوء إنارة ساحة السجن الذي كان يخترق طرف زنزانتي.

ومن المعيقات الأخرى القدرة على حماية المادة المكتوبة من عمليات التفتيش المصادرة في السجن، أو أثناء نقل المادة إلى الخارج، والتحدي الأكبر يأتي بعد الانتهاء من كتابة المادة، حيث أواجه صعوبة كبيرة في توفير جهات تدعم إصدار كتبي، وخاصة أدب الأسرى الذي يحتاج لمن يهتم بدعمه.

وأزعم أن الحالة الثقافية قد تدخل إلى ما أسميه "أمية المتعلم" حيث أن وسائل الإعلام الحديث قادت إلى تراجع التواصل مع الكتاب، ولذلك على الأدباء أن يغيروا من أسلوب كتابتهم لجذب القراء.

- لكل كاتب جمهوره الذي يكتب له، فمن هي فئتك المستهدفة من كتاب "رموش من فولاذ"؟

الفئات المستهدفة من كتابي تنقسم إلى قسمين: المختصون في القراءة، والمهتمون بأدب الأسرى، وكذلك الأسرى أنفسهم.

- بما أن كتابك يتمحور حول الصحافة الاعتقالية، فكيف تتوقع أن يكون صدى الكتاب في كليات الإعلام في الجامعات الفلسطينية؟

أتوقع أن يكون هناك اهتمام كبير بكتابي في كليات الصحافة والإعلام في الجامعات الفلسطينية، وأطمح إلى أن يتم التوافق بين الجامعات على اعتماد مادة تحمل اسم "الصحافة الاعتقالية" تدرس لطلبة الإعلام، وذلك لأهمية هذا النوع من الصحافة.

- "رموش من فولاذ" بالتأكيد اسم يحمل في طياته معنى خفياً، فما سبب تسميتك له بهذا الاسم؟

نعم، فكما نعلم الرموش بطبيعتها تحمي العين، والرموش في السجن من فولاذ لأنها صلبة تعيش خلف القضبان ، ومن العين تم التعرف إلى طريقة عمل الكاميرا التي يستخدمها الصحفي في عمله، لذلك على العين الصحفية أن تنقل قصص الأسرى ومعاناتهم للعالم الخارجي.

- نحن نعلم بأن خروج الكتب والمواد المكتوبة من السجن أمر صعب للغاية، فكيف نجحت بإخراج رموش من فولاذ معك؟

خروج مسودة كتابي كانت كالمعجزة تماماً، فالأسير عليه أن يقوم بتسليم كل الكتب والمواد التي يرغب بإخراجها معه من السجن قبل خروجه بيوم للضابط المشرف، وعرفت من خلال معارفي أن الضابط المشرف هو درزي يعشق الزجل والشعر فكان هذا هو الطعم الذي وضعته له، فعند ذهابي لتسليم الكتب قابلت هذا الضابط، وبدأت أصدح بموال زجلي كنت قد كتبه فأعجبه جداً، وسألني بعد ذلك ما الذي يوجد في المواد التي تريد إخراجها؟ فقلت له كتب عن الزجل والشعر وما إلى ذلك، ورد علي هل أنت متأكد من ذلك؟، فأظهرت له أنني واثق تماماً فتغاضى عن قراءة الكتب ولم يلحظ وجود مسودة الكتاب بينها، وبذلك استطعت الخروج بمادتي من السجن، "فأن تعرف هوية مقابلك فقد كسبت نصف المعركة".

ويُذكر أن للعامر مؤلفات متعددة منها طبيب للعقل، موانئ الأمل، ثنائية الإرادة والأمن في سورة الكهف، لفتات قرآنية، حداء الألحان في الزجل، زفرات أسيرة، أيام الرمادا، طرائف ولطائف في السجون، التحرش والاغتصاب في سجون الاحتلال.