يحتمل أن تكون قضية الجندي من تل الرميدة تشكل نقطة انعطاف دراماتيكية في تاريخ المجتمع الاسرائيلي. فالانتفاضة الشعبية على الموقف من الجندي مطلق النار تسجل تغييرا اجتماعيا اعمق بكثير من القضية ذاتها. وهو تغيير يؤشر للقيادة السياسية، العسكرية، والقضائية الاسرائيلية – حتى هنا. حان الوقت لتغيير القرص. لقد كانت الالية يوم الخميس قبل اسبوعين اعتيادية جدا. فالعصافير غردت، و»القتلة» الفلسطينيون حاولوا الذبح، جندي أطلق النار، «بتسيلم» نشر شريطا مصورا مغرضا، وكالمعتاد رئيس الاركان، الشرطة العسكرية، النيابة العسكرية، وزير الدفاع ورئيس الوزراء من «الليكود» وقفوا على أهبة الاستعداد. وكالمعتاد، منظمة متطرفة تخدم عمليا العدو، قررت جدول الاعمال الاسرائيلي. منذ سنين وكل تقرير متحيز أو كاذب لـ «بتسيلم» يبرز في نشرات الاخبار الرسمية، بينما التحقيقات المعمقة المعاكسة تنشر في الزاوية، اذا نشرت على الاطلاق، والحكم كله يثرثر حول التقرير ومنتجيه، لدرجة أنه في عشرات السنين الاخيرة بنت الاجهزة العامة والجيش الاسرائيلي نظريات تفعيل كاملة، وبُنيت عقلية حول احداث «بتسيلم» وامثالها، بما في ذلك تعليمات فتح النار والانظمة القضائية. لقد بلغت الامور درجة أن نشر الجيش الاسرائيلي مؤخرا كراسا داخليا يمجد فيه خطأ جسيما لضابط دفع الثمن بحياته كونه كان حذرا اكثر مما ينبغي من المس بالفلسطينيين «الابرياء» في ساحة «ارهاب». وها هو حدث تل الرميدة، فبينما تقوم قيادة الجيش الاسرائيلي والحكومة بشقلبات في الهواء، حصل شيء ما مفاجئ: سياسيون وقادة رأي عام وطنيون بدأوا يثورون. وبالتوازي، ودون أي يد موجهة، ألمت روح الانتفاضة بمعظم الجمهور. تحت كل شجرة فيس بوك باسقة اندلع احتجاج يصرخ – كفى. كفى للحكم المعاكس، كفى لجعل القتلة ضحايا. لقد التقط رئيس الوزراء على الفور تغيير اتجاه الريح ودار بما يتناسب مع ذلك، ولكن في قيادة وزارة الدفاع وفي الجيش الاسرائيلي استصعبوا الهضم. فشعبة الاستخبارات لم تنقل لهم معلومات استخبارية عن التغيير العميق الذي حل بالشعب. لم تكتشف أي هيئة تقدير حقيقة أن الاسرائيليين ملوا حكم «بتسيلم» وامثالها وبدأوا يرون فيها منظمات معادية. وحول قضية الجندي ذاتها، يحتمل أن يتبين لاحقا انه خرق الاوامر. وعلى هذا سيكون مجال لمعاقبته انضباطيا، لا اتهامه بالقتل العمد او غير العمد. ولكن الرد الغريزي الخطير لـ «جهاز الامن» لا ينبع من الاخلاق، إذ لا توجد هنا مسألة اخلاقية، رصاصة في رأس «مخرب» حاول القتل هو فعل اخلاقي بالضبط مثل تصفية ابو جهاد او كل «احباط مركز» في غزة. رد الجيش هو نتاج روح اوسلو، التي تغلغلت الى دي.ان.ايه «جهاز الامن» قسرا في 1993، وهي تتحكم به منذئذ. من هذه الروح ولد مفهوم مغلوط كامل يحاول بث التشويش والارتباك. وقد وجد تعبيره في الحيونة حيال «الارهاب» العرفاتي حتى آذار 2002 في الفشل في حرب لبنان الثانية وفي السلوك الفاشل في الحروب الصغيرة التي دارت حيال سلطات غزة. حروب تصرف فيها الجيش مثلما في دورة متدربين من وزارة الخارجية، يعمل في خلاف تام مع المبادئ الاساس للحرب. كما أن هذه الروح تتسبب اليوم بالحماية التي يوفرها كبار المسؤولين في «جهاز الأمن» للسلطة الفلسطينية. في أحاديث مغلقة يهمس اعضاء في الائتلاف بان مشكلتنا المركزية اليوم هي قيادة الجيش الاسرائيلي التي تملّكها مفهوم «اوسلو»، ولم تستطع التخلي عنه. ولكن لانه يخيل أن شيئا ما حصل في الجمهور الاسرائيلي، ويخيل أن معظم الشعب ليس مستعدا بعد اليوم ليقبل بحكم «بتسيلم»، فان قادة الجيش ايضا سيضطرون ليغيروا القرص مرة اخرى. هذه المرة أن يعيدوا قرص سواء العقل إلى مكانه.