الفيديو الذي تداولته وسائل الاعلام المختلفة لرَبابِنَة غزة يستثبون اطفال المدارس في قطاع غزة لا يثير الاستغراب بقدر ما يثير الرعب. كما أن اعلان مدعي الربانية "وسطاء الرب " عن "دموع التائبين تنهمر" تصاحبه الموسيقى في منظر درامي لأطفال تلك المدرسة واضعا نفسه وهو زملائه من الربابنة في مكانة الرب. وفي نفس المشهد يعلن ذلك الشخص عن انه قد تم تنفيذ 40 أو 60 ملتقى دعويا في "المدارس دون وجود اعلام حزبية" في إشارة لعدم مسؤولية حركة حماس أو بعض اجزائها يثير الْشُبه في ظل إحكام حركة حماس لقطاع غزة وعِلْمِها دبيب النملة في طول القطاع وعرضه. هذا الفعل اذا كان بعلم الحركة القابضة على القطاع فهي مصيبة وان لن تكن تعلم فهي مصيبة أكبر .
هذا الفيديو لا يثير الاستغراب لأنه جاء تطورا طبيعيا لمنهج حركة حماس وتشجيعها سواء لجهاز الدعوة فيها أو جماعات متشددة للقيام بهذا المنهج الذي يصبغ الاشخاص بالإلهية أو يمنحونهم "صفات" الر ب وهي بديلا عن الرب للمغفرة ومنح صكوك الغفران "التوبة". فمنذ العام 2007، قامت حركة حماس وحكومتها في قطاع غزة بمجموعة من الاعمال التي تمثل انتهاكا للعلاقة ما بين الرب وعباده، باعتبارها وسيطا أو فرض الدولة لتنفيذ الوصاية الدينية على الشعب الفلسطيني، وفرض نمطا سلوكيا معينا ونمط حياة على المواطنين في قطاع غزة من وجهة نظر حزب سياسي يتبنى عقيدة محددة، على الرغم من أن أغلب الشعب يدين بها ولا يختلف في ممارسة الطقوس الدينية، لكنه يختلف مع هذا الحزب وأتباعه في انماط الحياة وسلوكهم البشري.
من هذه الممارسات التي جاءت عبر قوانين وإجراءات ادارية حكومية و/ أو حزبية؛ اصدار قانون الزكاة القاضي بإنشاء مؤسسة الزكاة التي تتولى التأكد من سلامة تطبيق فريضة الزكاة على المواطنين والتحقق من التزام المواطنين بذلك وجبايتها فعليا من البعض من خلال الخصم من رواتبهم مباشرة، واصدار قانون تعليم يتضمن فصل الأولاد عن البنات ممن هم في الصف الثالث ابتدائي ليشمل كل مراحل التعليم بما فيها الجامعية، وقبلها تأنيث مدارس البنات بمنع عمل الرجال في هذه المدارس أي بمعنى اخر منع الجنسين "المرأة والرجل" من العمل معا، وكذلك فرض لبس الحجاب على طالبات جامعة الازهر في قطاع غزة، وتأكد شرطة حماس "على غرار رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ممن يسيرون على شاطئ غزة أو يجلسون في سيارة من انهم على صلة قرابة أو مُحرم، ومنع النساء من تدخين النرجيلة "الارجيله" في المقاهي، ومنع أنواع من قص الشعر أو اطالته وإجبار الشباب على حلق شعر الرأس ممن لا يلتزمون بذلك بعد اهانتهم وضربهم في مراكز الشرطة التابعة لحكومة حماس وتحديد طريقة اللباس الخاص بالشباب، وقيام وزارة الأوقاف بحملة الفضيلة في القطاع.
لكن المرعب اليوم هو مدى الهيمنة لجماعات متشددة أو فرض نمط حياة متشدد وصل حد الى اقتحام المدارس والسطو على المؤسسة التعليمية لغايات ايديولوجية غاية في التشدد لا تقل عن ما يحمله عناصر تنظيم الدولة "داعش" من فكر تكفيري للمجتمع ليحكموا باسم الرب أو بديلا عن الرب. هذا الفعل لا يُخرج إلا تشددا ويمنح المتشددين فضاءات من غير المسموح العبث بها مهما كان الخلاف السياسي أو الايديولوجي. وان لم نرَ مساءلة لهذا الفعل للأشخاص المقتحمين، ولمدير التربية والتعليم في المنطقة المسؤولة عن تلك المدرسة، والمدارس التي جرت فيها حالات الاستثواب للاطفال "وتوزيع صكوك التوبة"، ولمدير المدرسة ستحصد حركة حماس كـ "تنظيم سياسي" في قادم الايام حسرة التشدد أو فتيل نزع شرعيتها من ذاتها فينطبق عليها، حينئذٍ، في هذا المقام المثل القائل "جاجة حفرة على راسها غفرت" أو "على نفسها جنت براقش".