لم يكن الوطن الفلسطيني الوطن الاول أو الوحيد في تعرضه للحروب وللاحتلال والويلات من قبل محتله، ولم تكن المرة الاولى في تاريخه القديم أو المعاصر، إلا انها المرة الاولى التي لا تستثمر فيها أحداث بمثل هذه الجسامة في توحيد الصفوف ونسيان الخلافات، وجعل تلك الأحداث سببا واتخاذها سلما لعملية بناء وتطور ونمو ونهوض وصحوة وازدهار لديمومة الوطن وعلى كافة المستويات والأصعدة. فالكوريون والفيتناميون ومن قبلهم الألمان واليابانيون وغيرهم هزتهم نكبات الحروب وصهرتهم ويلات الاحتلال فصنعوا منها قواعد للنهوض والتحدي والمطاولة والعنفوان، حتى فاقوا مراتب محتليهم تطورا وضاهوا مصاف أعدائهم مكانة وتقدما.
الغاية من المقال تحذير وتنبيه الساسة والقادة بضرورة وضع حد لصراعاتهم السياسية والتقليل من سقف مطالبهم لغرض الحفاظ على استمرارية وديمومة نهج المشروع الوطني، لأن عكس ذلك يعنى انهياره والعودة إلى نظام الحكم الصهيوني مره أخرى ( لا سامح الله ). ومن المعروف بان الغاية المثلى لنضال حركات التحرر الوطنية في العالم هي بناء نظام حكم مستقل وديمقراطي منتخب يضمن استقلالية عمل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وفق الصلاحيات المخولة لها ضمن دستور دائم، وهذا هو الشكل السائد في أنظمة دول العالم المتحضر، أما آلية تطبيق هذا النهج في الحكم فهو ما يسمى بالعملية السياسية.
ومن المنطقي ان يكون واضحاً للجميع ان الوطن الفلسطيني يقف على حافات ازمات متعددة ومتشعبة، وهو بحاجة الى وقفة جادة ومسؤولة الغرض منها تعزيز الصحيح وتطويره ومعالجة الخطأ والابتعاد عنه. ونعتقد ايضاً بأن الحكومة ليست المعنية لوحدها في تقويم تجربتها، بل ان الجميع وخاصة في اللجان والمجالس الوطنية والمركزية والتنفيذية للمنظمة علاوة على القوى والفصائل والأحزاب والشخصيات الوطنية والإسلامية والسياسية، وهم كذلك معنيون بهذا الاستحقاق من خلال تتبع المسارات الهادفة الى عملية التقويم الايجابي بعيداً عن الانفعالات ومحاولات التسقيط الضاغطة.
ان مسؤولية التعثر في العملية السياسية أو المشروع الوطني الفلسطيني تقع على عاتق جميع الأطراف المشاركين بالحكومة او بمنظمة التحرير او بالمجالس المركزية والوطنية او حتى بالمجلس التشريعي ومرورا بكافة الفصائل والقوى والشخصيات الوطنية والمستقلة الفلسطينية، فالتعنت والتزمت والإصرار على الخلاف لا يجدي ولا يؤدي إلا الى مزيد من الإرباك والتعطيل للمشروع الوطني ككل وللوضع السياسي الفلسطيني، حيث ان طرح بعض التنازلات من هذا الطرف أو ذلك لا يخدش بالوطنية ولا يمس الكرامة طالما كان الهدف الكبير هو انجاح مشروعنا الوطني وعمليتنا السياسية والتوجه لمرحلة البناء والاعمار وتوحيد الجهود لدحر الهجمة الارهابية الشرسة التي يشنها الاحتلال الصهيوني بمحافظات الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة والقضاء على الانقسام البغيض، وتمتين الجبهة الداخلية الفلسطينية وترتيب البيت الفلسطيني الكبير، والمحافظة على ما تحقق من انجازات وطنية عمدت بدماء الشهداء والجرحى وآهات الاسرى والمعتقلين، فالجماهير الفلسطينية بكل أطيافهم وتوجهاتهم وحركاتهم وشخصياتهم لوطنية والسياسية لديهم الكثير من الأهداف التي يتفقون عليها مثلما لديهم من الاهداف ما يختلفون عليها لكنهم يقفون جميعا مع مشروع بناء الوطن الفلسطيني الديمقراطي الموحد.
إن الوطن الفلسطيني بجماهيره وقضيته وثوابته يعيش ويمر بظروف سيئة تستدعي توحيد القوى السياسية الوطنية والإسلامية بمختلف توجهاتهم لحل الخلافات وتقريب المشتركات وترك الصراعات وتوحيد الرؤى من اجل الوقوف بوجه الاحتلال والانقسام وكل اشكال الارهاب الاسود وتضييق الخناق عليهم وكشف خيوط المؤامرات ومن يروج لهم ويدعمهم بشكل مباشر أو غير مباشر، فالوطن يقف على اعتاب مرحلة خطيرة يجب على الطبقة السياسة ان يسجلوا موقفاً يذكره التاريخ لهم وان يعرفوا ثقل المسؤوليات والمهام الملقاة على عاتقهم.
لقد قدمت الجماهير ما قدمت من الصبر والصمود والتحدي بكل فئاته ومكوناته وهم يتصدون بعزيمة وإيمان للمخططات الصهيونية وجرائم وإرهاب المستوطنين ومواصلة مسيرة الحياة والمحافظة على اواصر الاخوة والوحدة والوئام بالرغم من كل المخططات الرامية الى تمزيق نسيجه الاجتماعي، فوحدة الصف يعني سد الثغرات التي يمكن ان ينفذ من خلالها اعداء الوطن الفلسطيني وفتح ابواب الامل المشروعة لتجاوز المحنة وليس ببعيد من هذا الشعب الابي لأنه يمثل النموذج الوطني على مدى التاريخ وانه صانع صفحات المجد والحياة ابداً.
وعلى الجميع ان يواجه مسؤولياته بواقعية ووضوح دون تبرير والتفكير بمستقبل اجيالنا القادمة وعدم التضحية على حسابهم في هذه المرحلة أبدا، فالكل اليوم امام محك في هذه الظروف وسيلعنهم التاريخ اذا ما تم الافراط والتفريط دون حساب وكتاب بمصالح اجيالهم.
آخر الكلام / حمى الله فلسطين وجماهيرها العظيمة.