الرئيس ابو مازن يقول "الصواريخ/المقاومة عبثية" ,حماس تقول "المفاوضات عبثية ", والناس صار شعارها "المصالحة عبثية" !!
وكأن العبث يتلبس تفاصيل حياتنا .
منذ سبع سنوات لا شيء سوى: حوارات..اتفاقات..تعديلات ,ثم اتفاقات معدلة /مهجنة , ثم عودة الى الملاحظات والتعديلات .(أوراق بتروح واوراق بتيجي ).!!
على الارض :لا شيء, بل على النقيض :النزاع والصداع المزمن.
المصالحة موجودة على الورق ,ونحن لا نستطيع ان نبني حريتنا ووحدتنا ومستقبلنا على ورق !!
وكأن المصالحة تحولت الى "عالم افتراضي " .
الا ترون ان كثيرا من الشباب –بسبب الاحباط والضياع السياسي – يفرون من الواقع والتخطيط والتفكير الاستراتيجي والعمل المتقن, واصبحوا يناضلون الاحتلال بكثرة "اللايكات" ويحاربون الحصار ب"الهاشتجات " ويسوقون لطموحاتهم ب"التغريدات ", ويتفاخرون ب"البوستات" ..وتتابع المعارك والمناظرات الطاحنة على "الواتس اب" كأنها "ذي قار" ,بينما يكون احدهم يكتب او يغرد او "يهشتج" وهو تحت اللحاف او يقزقز اللب !!
بدلا من ان تبعث سيرة المصالحة على الامل وراحة البال ,صارت تبعث على "الحموضة " وضيق النفس وارتفاع الضغط وتكلس المفاصل !!
تبدأ "خريفة" المصالحة بالحوارات المطولة ثم بالاتفاق الاولي, ثم بالملاحظات..تليها مرحلة التعديلات ..نخرج باتفاق (معدل/مهجن) .. نكتشف ان التعديلات لم تفهم جيدا ولم ينص عليها بشكل موثق..
تكثر التفسيرات والاجتهادات وتنشأ حالة من "اللخبطة", والذين في قلوبهم " زيغ" يتبعون ما تشابه من النصوص, ويجدونها فرصة لتعكير الاجواء وتسميم الابدان .
فاصل اعلاني من التراشق الاعلامي :" حماس غير معنية بالمصالحة ..ابو مازن العقبة الرئيسة في المصالحة ".. المصالحة رهن الاجندة الخارجية !!.
خطوتان الى الوراء وخطوة الى الخلف !!
والخطوة الواحدة تسرق منا عاما او عامين .."
(بهمش #) ما هو عمرنا ضاع ونحن نبحث عن هذا الولد المفقود في غابات الامازون !!
هرمنا ..نعم والله هرمنا , لان القيادات أوقفت(عداد) السنين!!
تبلغ المصالحة مستوى مزمنا من هشاشة العظام لدرجة ان تصريحا هنا او سلوكا هناك يجبرها على الغرق في غفوة طويلة أشبه بالبيات الشتوي ,الى أن يهزها حدث خطير مثل الحرب او فشل التسوية او تفاقم الازمة الانسانية في غزة ..يغتنمون الفرصة ل"نفخ الروح" فيها من جديد !!
اصبحت مصالحة مرتبطة بالمواسم !!
تتجدد الاتصالات مرة أخرى , تستهلك شهرين , ثلاثة, أربعة ,ربما أكثر .. حتى يتفقوا على موعد جديد وعاصمة جديدة ..
يلتقي "الكبار" وسط شغف اعلامي وتلهف شعبي..
يظهر دخان ما هو بأبيض ولا اسود, يزفون البشرى بورقة جديدة (مستولدة من الاتفاق المهجن) ,يعتبرونها "تقدما ايجابيا " ..ومع ابتسامة يقولون : هناك بعض الملاحظات (البسيطة) وقليل من التعديلات , فقط نحتاج الى مراجعة القيادتين!!
نقول :"قرب الفرج " ..
فاصل اعلاني من "التهدئة الاعلامية " ..
يطول الانتظار/ القلق خارج غرفة العمليات !!
يعود كل فريق الى غرفه المغلقة ..يعود النبش في النصوص , يبدأ اجراء "التحاليل والاختبارات ,, (تفصفص) الكلمات المخبوءة/الملغومة بين السطور.. توضع الكثير من الخطوط الحمراء.
ما يجري هو "اعادة تدوير" للاتفاقات ..اجترار لنقاط الخلاف..مناقشة ما سبق مناقشته ,واعادة تموضع القضايا ومراجعة صياغتها . النتيجة : كلام !!
كل هذا ,والوطن يضيع /ينسحب من تحت اقدامنا ,وزحف المستوطنات يقترب اكثر, وحلم التحرير يبتعد ..ساعة الوطن تتوقف!!
يشتد عض الاصابع .. تروح الرسائل وتجيء ,عسى ان يتمخض الجبل !!
(خلص) !! وصلنا الى اتفاق نهائي . تلتقط الصور , تتزاحم اللقاءات الصحفية, يجري سيل البشرى في ممرات الوطن الحزينة.
كل ما نحتاجه فقط هو التنفيذ !!
تعم الفرحة ..يخرج الناس الى الشوارع مهللين مكبرين, كأنه يوم العيد الاكبر, وما دروا ان الاضحية لم تبلغ شروط "القبول", فهي عجفاء عرجاء اسقطت كل اسنانها !!
يبدأ التنفيذ ,واذ بالمشاكل تهجم علينا بجيوشها الجرارة من كل حدب وصوب, تحيرنا وتربكنا ..نكتشف ان ما ورد في النصوص لا يتطابق مع التنفيذ .. الاليات غير واضحة ..هناك تلاعب فيما تم الاتفاق عليه !!
تقع الحكومة ضحية شبهات/زيغ في النصوص , والموظفون يتيهون بين اودية التفسيرات , وباقي بنود المصالحة تعلق من رقبتها على مشنقة المماطلة !!
فاصل اعلاني من "الاتهامات من العيار الثقيل"..
يصبح الجو خماسينيا مغبرا..تهب رياح السموم ..وتسكت العصافير .
ينسى الناس المصالحة .. يضعونها وراء ظهروهم ..يتسلون بمسلسلات "العشق الاسود" و"باب الحارة" و"حريم السلطان".. والشباب (يفشون غلهم) في الكلاسيكو الاسباني ..والرئيس يبدو مغرما بأغاني المغني الاسرائيلي موشيه الياهو , فضلا عن تلقيه "البركة " من الحاخام بالصحة وطول العمر !!
مرة ثانية وثالثة, تبدأ حماس رحلة البحث عن "الخيارات البديلة " لكنها تجد الابواب موصدة بإحكام .
والفصائل تعود الى "الشق" لتقلب في دفاتر الكهرباء والمعبر والضرائب .
تعود حالة الاحباط تضرب عصب حياتنا , تتفاقم مشاكل الناس وتسد في وجوههم السبل ,
نبحث عن قارب نجاة في بحر الظلمات , فلا نجد سوى هذا الدواء المر الذي لا مفر منه !!
تعالوا نجرب مرة اخرى ..فالشعب اصبح (حقلا للتجارب) ,ولا يضيره ان نغرز في جسده المتهالك اتفاقا /"ابرة تسكين" جديدة .
ومع تحمل ألم الوخزات يتهامس الناس : متى تنتهي هذه المسرحية المملة ؟
حتى اذا استيأس الناس وبلغت القلوب الحناجر لم يجدوا الا سرابا بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا .
الى متى هذا المسلسل العبثي /المضحك/المبكي/ المخجل ؟؟..
هل وصلت قضايانا الى درجة من التعقيد انها اصبحت عصية على الحل؟؟
برنامج الحكومة عقبة كأداء.. والموظفون (عقدة العقد) التي لا فكاك لها , والانتخابات تحولت الى (بازار تنافسي).. وتفعيل التشريعي "كابوس" ..والاطار القيادي يخشى ان يتحول الى قيادة بديلة ؟؟
خليط من الفشل والاوهام وغياب الثقة والشكوك التي لا تقود الا الى (فوضى تصالحية خلاقة).
والله عيب !!
عيب ان نسرق ثماني سنوات من عمر شعبنا ونحن ندور به بين اتفاقين..نعصره بين عاصمتين..نخنقه بين لقاءين ..ونحشره بين أخوين !!
لسنا بحاجة لقطع الاف الكيلومترات بالطائرة لنقول اننا احرزنا (تقدما)..وفي رحلة اخرى نقول (عدلنا نقاطا) ..ورحلة ثالثة نقول اتفقنا على رحلة رابعة لاستكمال النقاش!!
أليس من الحكمة /الواجب ان نصبر أنفسنا قليلا لنجلس في غرفة مغلقة /بعيدا عن الاعلام / ننهي فيها كل التفاصيل والاليات والجداول الزمنية وضمانات التنفيذ بدلا من (مصالحة التقسيط)هذه التي هي اشبه بديون الربا !!
اذا كانت هكذا مصالحة محشوة "بالنكد" ..مطهوة بالماء الاجاج.. مشوية على نار الخلاف , فلا نريد أن نأكلها ولا نريد ان نكون عليها من الشاهدين !!
لا نريدها مركونة على خشبتين,آيلة للسقوط ..مبنية على تسجيل النقاط !!
بهذه الطريقة هي اقرب للفشل منها للنجاح .
القيادات بحاجة الى مراجعة جريئة وصادقة لهذا المسلسل الممل ,سواء على مستوى الاشخاص الممسكين بملف المصالحة ,او على مستوى ادارته ومعالجته ..ثم على مستوى الوقت الضائع , فنحن لسنا في ترف من الزمن ..
ستجدون من يسرد لكم/أو يختبئ وراء الف سبب وسبب للفشل ,لكن الشعب لا يريد سماع مبررات أو شكاوى مل من تكرارها ..
كل الاطراف مسئولة عن النجاح او الفشل .
والى لقاء اخر في حلقة (مصالحة) جديدة .
طابت اوقاتكم/مصالحاتكم !!