تقف دولة اسرائيل على نحو جميل أمام التحدي الذي تطرحه عليها انتفاضة السكاكين. فالشوارع تعج بالحياة بدينامية وبوتيرة تزيغ البصر كميزة نتميز بها. لم يتغير أي شيء كثيراً في الحياة الوطنية. فاسرائيل، التي شهدت المعاناة ولكنها قوية، مصممة ومحبة للحياة كما هي دوما. لا ينبغي الاستخفاف برفع السكاكين التي يجب القضاء عليها، ولكنها لا تشكل تهديدا ذا أهمية على المستوى الوطني. سطحيا، نجد أن الحياة الطبيعية الاسرائيلية تهزم "الارهاب". ولكن اطلاق النار غير المأذون به من جانب الجندي على "مخرب" محيد، كشف هشاشة هذه الحياة الطبيعية. والمفارقة هي أن ليست سكين "المخربين" هي التي تهز حياتنا، بل بالذات ما فعله الجندي وتسونامي ردود الفعل المتعاطفة الذي جاء في أعقابها. وقراءة قريبة للاحداث تفيد بامكانية صعبة آخذة في التبلور: نشأت فجوة واسعة بين موقف قادة الجيش في موضوع طهارة السلاح وبين مواقف سائدة في الجمهور الذي يحميه الجيش الاسرائيلي. في "حرب الاستقلال" كتب نتان الترمان قصيدة انتقد فيها جريمة حرب ارتكبها جنود الجيش الاسرائيلي. وأمر دافيد بن غوريون بنشر القصيدة بـ 100 الف نسخة على كل الجنود في ذروة حرب البقاء القاسية، التي في اثنائها قتلت نسبة واحد في المئة من عموم السكان. وفي رسالة شكر للشاعر قال رئيس الوزراء: "كنت لسانا – لسانا طاهرا ومخلصا – للضمير الانساني؛ اذا لم يعمل هذا الضمير ولم ينبض في قلوبنا في مثل هذه الايام، لن نكون جديرين بالعظائم التي حققناها حتى الآن...". سار رئيس الاركان آيزنكوت في أعقاب بن غوريون حين نشر على الجنود رسالة عنوانها "ندافع عن الوطن – نحمي طهارة السلاح". هذا ليس موقفا شاذا. فأوامر الجيش كانت منذ الازل تتطابق والقانون الدولي والاخلاق الدارجة في العالم الغربي، وبموجبها لا يجب القتل عندما لا يكون هناك تهديد. ولكن معظم الجمهور يتبنى موقفا آخر: 42 في المئة يعرفون فعلة الجندي كـ"مسؤولة"، 24 في المئة آخرون يدعون بأن هذا "رد طبيعي على الضغط" و 57 في المئة يعتقدون بان لا حاجة لتقديمه الى المحاكمة. ومؤخرا، 66 في المئة يعتقدون بان قتل "مخرب" مع سكين فريضة. تفيد الاستطلاعات بدرك اسفل بالثقة التي يكنها الاسرائيليون لسلطات الحكم الثلاث – الكنيست، المحكمة والحكومة. والجيش الاسرائيلي وحده يحظى بتأييد واسع من الحائط (باستثناء الاصوليين) الى الحائط (باستثناء العرب). وتكاد تكون كل عائلة تبعث الى الجيش بشبابها، ومن هنا قصة الحب بين الشعب والجيش. ولكن ليست الامور هكذا دوما: فالخلافات بين الجمهور وقادة الجيش قد تترجم الى أزمة ثقة اسرائيلية بالقادة. السياسة الاسرائيلية، قصيرة الروح والمتطرفة، تشعل إوار الخلاف بدلا من تهدئته، وهكذا تقلص قدرة القيادة العسكرية على أن تحمل الجنود على ان يمتنعوا عن استخدام القوة بناء على ارائهم الشخصية، وان يتصرفوا حسب أوامر الجيش. فتأييد الشخصيات العامة لفعلة الجيش، في ظل الهجوم العلني على تعليمات القيادة العليا في الجيش، هو فعل مناهض للوطنية من الدرجة الاولى. إن تهديد السكاكين الحقيقي ليس في تشويش نمط الحياة اليومية لدينا – فالاسرائيليون حصينون من ذلك – بل في تشويش ضميرنا الاخلاقي. مطلوب قيادة مسؤولة لا تستسلم للروح الشريرة بل تهزمها. من المحظور أن نسمح للمفاهيم الانسانية الاساس، التي تميزنا عن اعدائنا، ان تصبح كيس ضربات المخاوف والمصالح السياسية. ان عنصر القوة المركزية لدينا هو استعدادنا لمواجهة التهديدات في ظل الحفاظ على طابعنا الانساني واليهودي. اما اطلاق النار السائب على "مخرب" محيد، فانه يقتل "المخرب" ولكنه يجرحنا. عمليا، هذا يخدم الهدف العميق لـ"الارهاب": هز المجتمع الاسرائيلي. تعالوا نعود ونتعهد بالواجب الديني الاصيل: "فليكن معسكرك مقدسا".