عن اللاصهيونية واللاسامية

download4
حجم الخط

في بعض الأوقات أحظى بلقاء يونتان ساكس أثناء تناوله وجبة طعام. ساكس هو الحاخام الرئيس السابق لليهود في بريطانيا، وهو نفسه لا يعرف ذلك. أقوم بتناول الطعام على طاولتي وأشاهد محاضرة له في الـ»يوتيوب». إنه ملم ليس فقط في الشؤون الفكرية الاسرائيلية، بل ايضا في الفكر والأدب الغربي. ذات مرة قرأت مقالا له استخدم فيه تحليل المثقف الافرو – أميركي، لويس جيتس، والذي تمحور حول الارنب المخادع من اسطورة شعبية في أميركا الجنوبية، من اجل تحليل شخصية سيدنا يعقوب. كنت مصدوما، كم من الحاخامات الارثوذكسيين يقرؤون كتابات مثقفين أفرو - أميركيين؟! واذا قرؤوا كم واحد منهم يجرؤ على استخدامها لتحليل شخصية احد آباء الامة؟ مثل الكثير من اليهود الذين يتحدثون الانجليزية، فأنا ايضا مديون لساكس. انه شخص لامع. لذلك فان مقاله الاخير – الذي قال فيه ان «اللاصهيونية هي لاسامية»، هو مقال مخيب للآمال. اللاسامية يقول ساكس، «هي وباء ينتشر عن طريق الطفرة». في كل مرة يلتصق هذ الوباء بمصدر الصلاحية الاساسي الذي يميزها. في العصور الوسطى كان الدين، وفي العصر الحديث  العلم، واليوم حقوق الانسان. وحسب قوله فان اللاصهيونية اليوم والتي تهاجم ليس فقط سياسة اسرائيل بل ايضا مبدأ وجودها كدولة يهودية، ما هي إلا لاسامية جديدة. هنا توجد مشكلة، حيث انه لم يكن أي اساس منطقي لاتهام اليهود بمقتل المسيح خلال العصور الوسطى، او الادعاء بان اليهود دونيون من الناحية الجينية، ومن أجل تصديق هذه الادعاءات، كل يجب ان يكون الشخص اللاسامي.     رئيسا «الشاباك» السابقان ابراهام بورغ وكارمي جيلون اللذان قالا في فيلم «حُماة الحمى» ان اسرائيل تتعامل في الضفة «كقوة محتلة فظة» «وتحول حياة الملايين الى غير قابلة للاحتمال» لا يوجد لهما مكان في القالب التاريخي الذي أوجده ساكس. يلغي ساكس الضرر الذي يلحق بحقوق الانسان بحملة واحدة: «اسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة العاملة في الشرق الاوسط الوحيدة التي فيها اعلام حر، وجهاز قضائي مستقل». الا ان اسرائيل ليست كذلك في الضفة الغربية، فسكان الضفة الفلسطينيين ليس من حقهم المشاركة في الانتخابات التي تحدد من يسيطر على الدولة التي تدير حياتهم. أليسوا مواطنين في الدولة التي يعيشون فيها؟ جيرانهم اليهود يهنؤون باعلام حر وبجهاز قضائي مستقل، لكنهم يخضعون للحكم العسكري، حيث يحتاجون الى اذن لاجتماع اكثر من عشرة اشخاص. كلمة «فلسطينيين» مذكورة في مقال ساكس مرة واحدة فقط. الا انه لا يمكن فهم اللاصهيونية بدونهم، لم يصبح الفلسطينيون لاصهيونيين لأنهم بحثوا عن سبب لكراهية اليهود واكتشفوا ان الاسباب السابقة أصبحت قديمة، لقد تحولوا الى لاصهيونيين لأن لقاءهم مع الصهيونية كان تجربة قاسية. لقد كان الفلسطينيون اغلبية مع بداية القرن العشرين في دولة اسرائيل الانتدابية، مثل شعوب اخرى عاشت تحت القمع الكولونيالي بدؤوا يطورون وعيا قوميا لضمان استقلالهم. حين بدأ اليهود بالهجرة الى «ارض اسرائيل»، تحولت الحركة الصهيونية التي سعت الى اقامة دولة يهودية في «ارض اسرائيل» الى عقبة امام طموحاتهم القومية. صحيح ان الفلسطينيين اخطؤوا ونفذوا جرائم، ولكن لا يجب تبرئة الفلسطينيين من كل تهمة لفهم ان لهم اسبابا جيدة لرؤية الصهيونية بشكل سلبي. الجيش الصهيوني هو الذي اقتلع 700 الف فلسطيني من بيوتهم في 1947 – 1949، ورفض السماح لهم بالعودة. والجيش الصهيوني هو الذي يسيطر على الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية دون حقوق اساسية. بعض الفلسطينيين يوافقون على حل الدولتين لاسباب براغماتية لكن معظمهم لاصهيونيون، بل معظم مواطني اسرائيل الفلسطينيين يصوتون للاحزاب التي تطمح الى تحويل اسرائيل الى دولة غير يهودية. اللاصهيونية المتصاعدة والتي ينتقدها ساكس هي تصدير فلسطيني، حركة الـ BDS قامت في العام 2005 في اعقاب نداء من منظمات مدنية فلسطينية، ومنذ ذلك الحين كبرت هذه الحركة – وكذلك اللاصهيونية التي ترتكز عليها – بعلاقة مباشرة للتطورات في السياسة الاسرائيلية. حيث إن هدف الصهيونية كما تعبر عنه حكومة نتنياهو هو تعزيز السيطرة غير الديمقراطية لاسرائيل على ملايين الفلسطينيين، ومن السهل أكثر اقناع الناس أن يكونوا لاصهيونيين. كما أعلن زعيم الـ «بي.دي.اس»، عمر البرغوثي، في 2014: «بدون نتنياهو لم نكن نستطيع تحقيق الانجازات التي حققناها الى الآن». إن قسما من اللاصهيونيين هم لاساميون. ومن الواضح أن عددا من اللاصهيونيين الفلسطينيين هم لاساميون. لكن المقارنة بين اللاصهيونيين واللاساميين تعني أن كل الفلسطينيين لاساميون بما في ذلك فلسطينيون مثل عضو الكنيست أيمن عودة، الذي يوجد اعضاء يهود في حزبه «حداش»، أو عرب متزوجون من يهود. عندما نقوم بنفي اسباب أخرى لديهم لكراهية الصهيونية، فاننا ننفي تجربتهم التاريخية. هكذا نفعل للفلسطينيين ما يفعله اللاساميون لليهود: نزع الشرعية. مثل ساكس، أنا ايضا صهيوني. ومثل ساكس أنا أعارض الـ»بي.دي.اس»، ولكن يمكن ايضا أن تكون صهيونيا وتحتفل باقامة الدولة اليهودية في «ارض اسرائيل» من جديد، وفي الوقت ذاته تفهم لماذا يعتبر الفلسطينيون ذلك لعنة بالنسبة لهم. يمكن ايضا تعريف هذا الفهم عن طريق التعبير الذي وضعه يونتان ساكس، حيث ادعى أن عدم الاستعداد لتقبل الفوارق بين الثقافات يشبه محاولة فرض صفة معينة واحدة على الله.