عندما يقوم اشخاص من اليمين بنشر صورة وزير الدفاع والمهداف مصوب نحو رأسه، فليس هناك حاجة الى اجراء استطلاع من اجل فهم أن التمييز القديم بين اليمين واليسار قد ضاع منذ زمن في اسرائيل، استمراراً لضياع فكرة التقسيم الى دولتين لشعبين. ومقابل عمليات التفكك الى مجموعات عرقية في الشرق الاوسط، القومية الاسرائيلية المتطرفة تتراجع ايضا الى الوحدات ما قبل الحداثة التي نشأ منها الشعب والقبيلة والحمولة. إن هذه الموجة ليست جديدة، لكن قضية الجندي مطلق النار من الخليل، كشفت عنها وعن جوهرها: قومية اسرائيلية متطرفة تُقاس فيها العضوية في جسم سياسي ليس حسب المواطنة بل حسب الشعبية اليهودية، حيث إن امتياز المواطنة والحقوق مضمون فقط لاعضاء جماعة عرقية معينة. إن من يريدون تصفية وزير الدفاع سياسيا فقط لأنه طلب الحفاظ على معايير اساسية في قوانين الحرب، ويشتمون رئيس الاركان لأنه عارض اطلاق النار الاوتوماتيكي على فتاة تحمل المقص، لا يفعلون ذلك لأنهما ينتميان الى حزب خصم أو لأن لهما مواقف سياسية مختلفة. وايضا ليس لأنهما يختلفان عنهم في رؤية طريقة مكافحة «الارهاب». وبالنسبة اليهم، فان اصحاب هذه المناصب اخطؤوا الخطأ الاكثر خطورة: لقد خرجوا ضد «الشعب». إن كلمة السر في الوقت الحالي هي الولاء. والولاء يقاس قبل أي شيء آخر بالدفاع عن الوجود الفيزيائي للقبيلة. لأن الجندي مطلق النار فعل ذلك من اجل الدفاع وهو واحد منا. ولأن وزير الدفاع يعمل باسم القانون، فانه يُخرج نفسه من المجموع، يخون القبيلة. وبشكل مشابه، المظاهرات ضد المحاكمة العسكرية بالقرب من المحكمة العسكرية هي مظاهرات ضد الحكم المدني وتأييد لصلة الدم. ضد المساواة أمام القانون وتأييد للولاء القبلي. ويُقاس الولاء ايضا في الدفاع عن هوية القبيلة، الهوية اليهودية. هناك وزراء من «الليكود» يتحدثون عن العودة الى الحرم، ليس لأنهم يهتمون بتقديم القرابين، بل لأنهم يريدون الاشارة لناخبيهم أنهم يهود جيدون. ولنفس السبب يتملق يائير لبيد الحريديين. وبيع التصفية من قبل بنيامين نتنياهو للاحزاب الحريدية يمكن أن يمر ايضا لأنه لا يمكن الجدل حول تعزيز «اليهودية». إن الحديث هو عن عملية يقوم فيها المجتمع الاسرائيلي بازاحة الاطار الجمهوري والعودة الى اطار القبيلة. وبكلمات اخرى: الشعب قام ضد الدولة وضد الانجازات الكبيرة للحركة الصهيونية التي عملت على توحيد جماعات مشتتة ومختلفة في جسم سياسي واحد، وأقامت في إسرائيل دولة قانون ديمقراطية ومجتمعا مدنيا. هذه الانجازات تتنحى الآن من اجل القبلية العرقية. اسرائيل تترك المدينة الموسعة وتعود الى القرية اليهودية. تقوم بتفكيك جيشها وتنشئ المليشيات. تعمل ضد محكمة العدل العليا وتزيد من قوة الجمهور. تُهمل الاكاديميا وتستثمر في المعاهد الدينية. تتنازل عن وزير الخارجية وتضع امرأة واعظة تفسر «للأغيار» ما هي الحقوق الالهية. باختصار: اسرائيل تنفصل عن الدولة وتنحسر من جديد في الغيتو. ففي الغيتو، كما هو معروف، نحن دائما مهددون. نحن دائما على حق ونحن نقاطع كل من هو استثنائي. يوجد في اسرائيل جمهور كبير لا يريد ذلك. فهناك الكثير من الاشخاص تهمهم الديمقراطية ويهمهم القانون ويهمهم أن يكونوا جزءاً من الغرب المتنور. وهم يخشون من رؤية اسرائيل تسير نحو الحياة العرقية الدموية. والآن لا يوجد قيادة لهذا الجمهور. ولكن عندما توجد يجب عليها التصميم على أن انقاذ اليهودية من الغيتو هو الولاء العميق: هذه هي الصورة الحقيقية للولاء الحديث. وليس من المفروض أن يكون هذا شيئا صعبا. فهذه هي الفكرة الأساسية للصهيونية.