إرهاصات لم تكتمل بعد

1f519991ec9aea1dab84d7f3213852d8
حجم الخط

حتى وقت قريب بدا وكأن اعلان السعودية عن تشكيل تحالف اسلامي ضد الارهاب، وكأنه إعلان شكلي يقف عند حدود التظاهر بأن المملكة تحظى بعلاقات واسعة بين الدول الإسلامية، إذ لم يتم تحريك هذا التحالف سوى من خلال مناورات عسكرية شاركت فيها العديد من الجيوش التي تنتسب دولها للإعلان السعودي. ومع أن تركيبة التحالف تقتصر على الدول الإسلامية السنية، الأمر الذي ولد شكوكاً واسعة بأنه يستهدف مواجهة "الخطر الإيراني" الشيعي، الا ان اختيار الهدف وهو مواجهة الارهاب ينطوي على قدر من الوعي، لأهمية توخي المرونة السياسية تجنباً لاختلافات في حسابات الدول المنضوية تحت راية التحالف، بشأن أولوياته التي قد لا تكون موحدة في حال تحديد هدف آخر. على أن الأمر اتخذ طابعاً محددا نسبيا حين قرر مجلس الجامعة العربية "مع تحفظ لبنان والعراق"، اعتبار حزب الله القريب من ايران "جماعة ارهابية" الأمر الذي يعني ان ثمة تداخلا وليس تطابقا بين هدف مواجهة الارهاب، ودرء مخاطر ما تعتبره السعودية اطماعاً وتدخلات ايرانية مباشرة كانت ام غير مباشرة. اذا كانت السعودية هي من بادر الى انشاء مثل هذا التحالف، وفق اولويات هي تحددها انطلاقا من رؤيتها للمخاطر التي تحدق بمنطقة الخليج ومن ضمنها السعودية، فإن النجاح يتطلب منها أن تأخذ في الاعتبار اولويات الدول الأخرى، الكبيرة منها بخاصة والقادرة على ان تقدم بدائل فاعلة وقوية بدون ارباك قواعد السياسة العامة للمملكة، خيارات التحالف في المنطقة محدودة، خصوصاً بعد تخلي الولايات المتحدة الأميركية عن حلفائها في المنطقة، وتقليل الاهتمام بها الا حين يتعلق الأمر بأمن وتفوق اسرائيل، ليس هذا وحسب بل ربما ادت الصراعات الدامية والتاريخية التي تشهدها المنطقة العربية منذ أكثر من خمس سنوات، إلى خلق وعي جديد، يتطلب استدراكات سياسية وتحولات هامة حتى لو انها لم تكن جذرية بالكامل. القوى العالمية الفاعلة تتصارع في هذه المنطقة من اجل مصالحها التي تقتضي اعادة تقسيم المقسم العربي، من اجل تمكين عملية الهيمنة والاستحواذ على الموارد. هذه القوى لا تستثني دولة واحدة بما في ذلك مصر والسعودية وغيرها من الدول، ولذلك لاحظنا سرعة الاستجابة من قبل السعودية والامارات العربية المتحدة لدعم الثورة التي وقعت في الثلاثين من حزيران 2013. في مصر، الدعم السخي الذي قدمته الدولتان، وتقدمانه، لمصر يستند إلى إدراك عميق لطبيعة المخططات الخارجية ولأن مصر التي نجت من الكارثة، تشكل السد العالي الأول أمام إمكانية إفشال هذه المخططات، أو إبطاء حركتها. إذن هي سياسة وقائية بامتياز، وهي سياسة صائبة، انطلاقاً من وعي دول الخليج لمصالحها في الاستقرار والحفاظ على الدولة الوطنية والنظام السياسي، وهي تعبير عن محدودية الخيارات. دول الخليج التي لم تعد تثق بالسياسة الأميركية وبالتالي لا تستطيع الارتكان إليها، لا تستطيع لأسباب كثيرة أن تذهب إلى الخيار الروسي، أو الصيني، أو حتى الأوروبي، وبالقطع هي لا تستطيع الذهاب إلى الخيار الإسرائيلي بالرغم من أن إسرائيل تحلم بأنها يمكن أن تكون الملجأ الذي تستند إليه دول الخليج لمواجهة ما تعتبره الخطر الإيراني المشترك. الخيارات المتاحة هي إذن اقليمية، وتبدأ وأولويتها من مصر الكبيرة والقوية، والتي تحتاج إلى دعم كبير من دول قادرة على تقديمه حتى تتمكن من الوقوف على أقدامها. مصر هي قبلة العرب اليوم، القبلة التي تتحرك نحو استعادة دورها الإقليمي وبالأساس العربي، وكلما زاد الدعم المادي والاقتصادي لها، تمكنت من اختصار الزمن في سباق استعادة الدور والفاعلية. هل يمكن الحديث عن صحوة قومية جديدة، يمكن أن تعيد ترتيب الأولويات في المنطقة، حتى "يعود العجل إلى بطن أمه" كما يقال؟ يبدو أن ما تبقى من النظام العربي الرسمي، بات يدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن الصراع العربي الصهيوني هو أصل الصراع في المنطقة وعليها، وأن إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية هو الكفيل بتمكين الدول العربية من استعادة الاستقرار لأنظمتها السياسية. لا أتحدث هنا عن تصريحات، ولا أقصد ضخ آمال كاذبة في هذا الخصوص، ولكن العرب بدؤوا يكتشفون أخطاءهم، ومن ضمنها تجاهل اولوية الاهتمام بالقضية الفلسطينية. في الواقع فإن الدول الأوروبية، ستكتشف هي الأخرى عما قريب هذه الحقيقة، وهي تواجه أزمات كبيرة مثل الارهاب الذي وصل إلى غرف نومها، وظاهرة الهجرة الجماعية، التي تربك اقتصادياتها، ومجتمعاتها. مرة أخرى بعد مرات عديدة أكرر التساؤل بشأن سلوك النظام السوري إذا اعتقد أنه ما كان له أن يقدم هذا الكم الهائل من الخسائر، والتضحيات لو أنه منذ البداية، أدار قرص الصراع نحو إسرائيل التي تحتل هضبة الجولان. لو فعل النظام ذلك لانقلبت كل المعادلات ليس في سورية وحدها بل في الإقليم بأسره، وفي كل الحالات ما كان لسورية أن تقدم أو تدفع هذا الثمن الضخم من الخسائر. الآن يمكن أن نعثر على بارقة أمل إزاء تحقيق المصالحة الفلسطينية في حال بذلت كل من مصر والسعودية، مدعومة من تركيا، جهداً حقيقياً من أجل إنهاء الانقسام. إذا كان من غير المنتظر أن تتحقق هذه التوقعات ولا أقول النبوءة، خلال الفترة القصيرة القادمة، فإن الأمور في المنطقة تتجه نحو ذلك، ما يلقي على كاهل الفلسطينيين مسؤولية اتخاذ السياسات الإيجابية الصائبة التي تمكنهم من استثمار هذه التحولات.