أردوغان والقمة الإسلامية:كلمة لابدَّ منها........د. أحمد يوسف

thumbgen (18)
حجم الخط

 

إن مؤتمر القمة الإسلامية في استانبول لن يكون حدثاً عادياً هذه المرة، صحيح؛ ربما لن يتابعه الكثير من المثقفين في عالمنا العربي؛ باعتباره امتداداً لمؤتمرات سابقة لم تترك أثراً يتذكره أبناء أمتنا الإسلامية؛ فالقمم - للأسف - تحمل ذكريات محبطة، ولم تشهد الأمة الكثير من الإنجاز من وراء انعقادها، فهي ليست أكثر من مناسبة لأخذ الصور، ومشاهدات إعلامية سرعان ما تتناساها الشعوب.

ونحن هنا ربما نختلف مع البعض، إذ لدينا شيء من الرجاء وبعض التفاؤل والأمل، وهذه التساؤلات هي فقط لمجرد تجلية الموقف وإظهار التطلعات، ليس إلا.. ترى ما هو جديد القمة الإسلامية في استانبول؟ وما الذي يجعلنا نتوقف عندها بالتأمل والتحليل؟ وماذا نتوقع أن يتمخض عنها من مواقف وسياسات؟ وما هي النتائج المرتقبة في ظل أحوال مأزومة وصراعات تمر بها شعوب ودول أمتنا العربية والإسلامية؟ وهل هناك أمل أن تنفرج بعض العلاقات المتوترة وأشكال القطيعة بين بعض دولنا المركزية كي يستعيد شرقنا العربي بعضاً من عافيته، التي مزقتها الحروب وصدَّعتها العمليات الإرهابية؟ هل بإمكان الملك سلمان والزعيم أردوغان إصلاح ما أفسدته حالة ما بعد الربيع العربي، حيث انتكست معظم أحوالنا السياسية، وتشرذمت تحالفات الدول في منظومات متباينة من التلاعن والتنابز بالألقاب؟

أسئلة لا تنتهي عما يدور في أذهان الناس من حيرى والتباس، ونحن هنا نجمع بعض الحروف والكلمات على أمل تقديم الجواب .

أردوغان: القمة والزعيم الثائر

لماذا نعلق الآمال على قيادة تركيا أردوغان للقمة الإسلامية أكثر من غيره؟ سؤال رسم جوابه هو أن هذا الرجل نجح في استنقاذ بلاده من الانهيار، وأعاد بناء الجمهورية، ووضع تركيا دولة قوية تحت الشمس، وأعادها أمةً لها هيبتها بين الأمم.

أردوغان الذي عهدناه مع حركة النهوض العربي يتحرك لنصرة الشعوب التي ثارت على الظلم والاستبداد، وقد سجلت مواقفه قبولاً واستحساناً لدى شعوب أمتنا العربية والإسلامية، وجعلت منه زعيماً قد لا تختلف على قيادته للأخذ بيدها، وإعادة مكانتها وما ضاع من هيبتها وخيريتها بين الشعوب والأمم.

يأتي اجتماع الزعماء والقادة العرب والمسلمين في القمة الإسلامية في تركيا في وقتٍ كثرت فيه جراحات المسلمين، وتنكب فيه المسلمون والعرب طريق النجاة، حيث كثرت الفتن وزاد القتل والنزاع في صفوف المسلمين، وماجت بلادنا العربية والإسلامية في دوامةٍ لا نهاية لها من الحروب والصراعات، ودخلت المنطقة - إقليمياً وعالمياً - في حلبة من الصراعات والمصالح، فسقط الأبرياء وفقد المسلمون البوصلة، وغدا الحليم فيهم حيراناً.

لكن ما يميز هذه القمة عن سابقاتها هو المكان والراعي: حيث إنها تنعقد في تركيا، عاصمة الخلافة الإسلامية العثمانية، بما تشكّله تركيا من موروث تاريخي وحضاري للعرب والمسلمين، وبما تمتلكه من مكانةٍ في قلوبهم، حيث يتذكرون موقف السلطان عبدالحميد الثاني من فلسطين، وكذلك بما تنعم به تركيا من أمن واستقرار تُحسد عليه، خلافاً لبقية البلاد العربيّة والإسلامية، وإن كان بشكلٍ متفاوت.

فتركيا التي سبقت أغلب الدول العربيّة في تقديم النصرة لقضايا المسلمين في المحافل الدولية؛ كالقضية الفلسطينية وسوريا وميانمار والصومال وغيرها. ومما يميزها أيضاً ويعطيها الأمل الأكبر في أن تكون قمةً ينتصر فيها الزعماء والقادة لقضايا المسلمين، دون أن يكتفوا بإلقاء البيانات والخطب، ويستمعون لكلمات تصم الآذان، ولا نرى بعدها تطبيقاً على أرض الواقع، أن رئاسة القمة ستنتقل من مصر الشقيقة إلى تركيا أردوغان، وهو الزعيم الذي وقف مسانداً ومناصراً للربيع العربي وللصحوة الإسلامية، ووقف متحدثاً بلسان المكلومين في المحافل الدولية، وكأنه زعيمها المنتظر.

الأمة الإسلامية: التطلع نحو برّ الأمان

تتطلع الشعوب العربية المسلمة إلى هذه القمة وإلى زعيمها الجديد أن يقودها – بحكمته وتجربته - إلى برّ الأمان مما هي فيه من ظلم واضطهاد، وبما تعانيه من فرقة واختلاف وانقسام بين الأطراف العربية المسلمة، إنها تنتظر منه أن يصوب مسار العروبة وأن يأخذ بأيدي الأمة المسلمة، والتي انحرفت دروبها كثيراً في السنوات الأخيرة، فكانت المصالح غالباً هي المحرك وتاهت المبادئ والقيم، فوقع الظلم على تلك الشعوب التي خرجت تنادي بالحرية والانعتاق من سطوة الحكام والزعماء.

لقد كان أمل الأمة كبيراً في الربيع العربي الذي انطلق، وكان حزنها أكبر حين انتكس هذا الربيع وانقلبت الأوضاع إلى سابق عهدها؛ بل أسوء، فكانت الدولة البوليسية هي من تحكم وتسود، لقد كان أردوغان يساند تلك الشعوب ويقف بجوار مطالبها، ويندد بمن حاولوا الالتفاف على رغبة الشعوب بالحرية والعدالة.

الانتصار لقضايا المسلمين: الرغبة والأمل

كثيرةٌ هي الجراحات التي يعاني منه المسلمون في العديد من البلدان والمناطق؛ ففلسطين تنظر النصرة والدعم والتأييد، وسوريا الجريحة تنتظر من يداوي جراحها، واللاجئون السوريون ينتظرون حلاً عادلاً لهم، وعودة آمنة لوطنهم، هناك بلا شك الكثير من الملفات التي تنتظر من الزعيم أردوغان أن ينظر فيها، وأن يجد لها حلاً، وأن يساهم في إنجاح الجهود العربية والإسلامية لحل مشاكل المسلمين العالقة.

ينتظر المسلمون من تركيا أردوغان من يحنو عليها ويقف معها، ويقدم لها المعونة والمساعدة، ننتظر منك أيها الزعيم أن تعالج الفقر والبطالة، وتعلّم الزعماء المجتمعين في ضيافتك كيف ننتصر للمظلوم، كيف يفور الدم على مشاهد الدمار والتشريد والقصف..

تصحيح مسيرة الإسلاميين: تركيا النموذج والمثال

لقد حادت بعض الجماعات الإسلامية عن الطريق السليم، وتنكبت المسار الصحيح، مسار وسطية الإسلام، فرأينا موجة التشدد التي تجتاح البلاد باسم الإسلام؛ في العراق وسوريا وليبيا، فقُتل الرجال والنساء والأطفال، ورأينا مشاهد مروعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ..

والعجيب أن كل هذا يحدث تحت مسميات دينية وبرايات إسلامية، فالتشدد يُحارب بنشر الوسطيّة، وإيجاد حلٍّ لمشاكل المسلمين وتفريغ الاحتقان الذي يعاني منه الشباب المسلم، وهم يرون الظلم الواقع على شعوب أمتهم ولا ينتصر لها حاكم أو مسؤول.

إن السيد أردوغان الذي قدّم في بلاده مسيرةً سلمية للحركة الإسلامية، وصورة صحيحة للانتخاب الحر والنزيه، وكيف يتعامل مع المجتمع الدولي ويتعاطى مع قضاياه، مطلوب من بقية الجماعات الإسلامية أن تحذو حذو حزبه، وتقتفي أثر تجربته الناجحة، بعيداً عن سفك الدماء والتكفير والتفسيق والتضليل..

القضية الفلسطينية: أردوغان عنوان الأمل

من أكثر قضايا المسلمين إلحاحاً في هذه الأيام، ومن أكثر من يتطلع لتركيا أردوغان هو الشعب الفلسطيني، الذي يعاني القهر والاحتلال والظلم والحصار، ومن أولى الدول التي بادرت بحملات فك الحصار هي تركيا أردوغان، وهي التي سيّرت القوافل والسفن في محاولة لفك الحصار، وأرسلت مساعداتها الماديّة والإغاثيّة، وساندت السلطة الفلسطينية في الحصول على عضو مراقب في الأمم المتحدة، وناصرت القضية الفلسطينية في المحافل الدولة، وانسحب أردوغان من مؤتمر دافوس نصرة للفلسطينيين.

وبالتالي فالرئيس أردوغان هو أمل الفلسطينيين المتبقي، بعدما رأى شعبنا أن الزعماء يتساقطون الواحد تلو الآخر، وينحازون للمربع الأمريكي وللمصالح المشتركة، ينتظر منك الفلسطينيون – أيها الزعيم - من يشدّ على أيديهم، ويساند قضيتهم، ويفضح دولة الكيان وممارساتها العدوانية التي لا تنتهي.

المأساة السوريّة: شعب وأمل الخلاص

ينظر السوريون إلى المجتمعين في القمة وجراحاتهم تنزف، وبيوتهم شاهدة على الظلم الواقع عليهم، حيث تركوا المدن والقرى، وهاجروا إلى البلدان المجاورة، وعبر قوارب الموت في عرض البحر، يسيرون نحو المجهول، إنها المؤامرة الدوليّة على الشعب السوري المسلم، ينتظرون من القادة والزعماء ما يشفي جراحهم وينهي مأساتهم..

أردوغان أيها الزعيم، أنت من وقفتَ في صف الثورة السوريّة منذ بدايتها، وكنت لها الحاضن والمساند، وكانت تصريحاتك وأفعالك النبيلة تعطي الأمل للسوريين باقتراب انتصار ثورتهم، واستضفتَ مئات الآلاف من اللاجئين على حدودك في معسكرات، وقد فرتَ لهم المأكل والمسكن والمشرب وحدِّ الحياة الكريمة.

إنهم ينتظرون عودة آمنة لديارهم، وحلاً عادلاً لقضيتهم تزيح هذا الطاغية من طريقهم، وتفتح طريق الحرية والأمان لهم.

المصالحة الفلسطينية: لعل وعسى

تعثرت المصالحة كثيراً وتأخرت كثيراً، وأدى هذا إلى زيادة التمزق الفلسطيني، وإضعاف نسيجنا الاجتماعي والسياسي، كما أنه أرجع القضية الفلسطينية إلى الوراء، وأصبح مشروع التحرير في آخر اهتماماتنا، لقد كانت مصر الشقيقة - وما زالت الراعي- لجولات المصالحة في مراحلها المختلفة، وهي تحتاج لمزيد من الجهود العربية والدعم والاستضافة لتقريب وجهات النظر، وجمع الشمل بين الإخوة الفلسطينيين.

يأمل الفرقاء في شقي الوطن من يمسك بالجهود لإعادة اللحمة إلى الوطن، ويرعى حل الملفات العالقة، ويتعهد بحل كافة القضايا الشائكة المتمثلة في رواتب الموظفين والمعابر والانتخابات وتشكيل الحكومة وانعقاد الإطار القيادي لمنظمة التحرير.

إن شعبنا الفلسطيني يأمل من الزعيم أردوغان أن يبذل الجهد بصفته - الآن - رئيساً للقمة الإسلامية لتحقيق المصالحة، وأن يضغط على طرفي الأزمة للتنازل من أجل شعبهم، والعمل على إنهاء الحصار والمعاناة.

التصالح التركي-المصري: الفرصة والأمل

تعتبر هذه القمة من أكثر القمم حساسية، حيث سيستلم السيد أردوغان رئاسة القمة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي تأزمت العلاقة بين بلديهما بعد ما اعتبرته تركيا أردوغان انقلاباً على الرئيس المنتخب محمد مرسي.. إن انعقاد هذه القمة يعتبر فرصة لتقارب وجهات النظر، وبداية أيضاً للتصالح التركي المصري، وإعادة العلاقات بين البلدين، خصوصاً أن مصر تمثّل ثقلاً عربياً مهماً في المنطقة، وتركيا تمثّل ثقلاً دولياً وإقليمياً بما تمتلكه من موروث حضاري وديني وثقافي للمسلمين، فهي امتداد تاريخي للمسلمين.

نأمل أن تكون هذه القمة بادرة حسنة بين الطرفين لإنهاء الخلاف وجسر الهوة بينهم، وإذا ما كانت المصالحة فإن ذلك يعتبر انفراجاً للقضية الفلسطينية، فالمساعدات العينية والمادية والمشاريع الإغاثية والبنى التحتية ستأتي عن طريق الشقيقة مصر، وكذلك التعاون في تحقيق المصالحة الفلسطينية ورعاية مفاوضات غير مباشرة بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي.

أردوغان: مدرسة في الديمقراطية

يعتبر الزعيم أردوغان من أكثر الزعماء الذين يدعمون مسار الديمقراطية في المنطقة، وكان يوجّه العديد من الرسائل إلى الزعماء وشعوب العالم بضرورة احترام صناديق الاقتراع وتحقيق رغبة الشعوب في المسار الذي تختاره، وعدم الانقضاض على نتائج الانتخابات تحت حجج واهية.

مطلوبٌ منك - أيها الزعيم - أن تعطي الزعماء الجالسين عندك دورساً في الديمقراطية واحترام التعددية السياسية في بلادهم، فلا يجابهوا المعارضة بالسجن والملاحقة والمطاردة، فهي أمان لحكمهم وكراسيهم، لقد ساموا المعارضة من شعوبهم سوء العذاب.

الفساد والفقر والبطالة: مشاكل وفرص حلول

يعاني العالم العربي والإسلامي من أدواء كثيرة؛ كالفساد المستشري في مؤسسات الدولة، والفقر القابع في القرى والمدن، والبطالة بين صفوف الشباب، وكذلك التردّي الأخلاقي وغيرها، وهي أدواء تستعصي على الحال، إلا إذا تكاتفت الجهود العربية والإسلامية في محاربتها، وكانت هناك جهات راعية وداعمة لحل هذه المشاكل وعلى رأسها الفقر والبطالة.

إن استمرار حالة الفقر والبطالة في بلاد المسلمين يؤسس للتمرد والتشدد والهجرة والتأخر في نصرة قضايا المسلمين، وهو مخطط لأعداء العرب والمسلمين، وحيث تتكاتف الدول العربية المقتدرة في دعم مشاريع التشغيل ورفع مستوى المعيشة والدخل الفردي وإيجاد فرص عمل في أقطار الخليج العربي وأغنياء النفط والقصور الملكية.

المسجد الأقصى: قبلة المسلمين ونير الحصار

لابد من تذكير المجتمعين في القمة الإسلاميّة بمقدسات المسلمين، التي غفلوا عنها وانشغلوا في قضاياهم الداخلية، وأصبح المسجد الأقصى مستباحاً من قِبل الصهاينة، وحين غفل العرب والمسلمون عن قضيتهم وقبلتهم الأولى وتركوها للفلسطينيين، تجرأ اليهود على المسجد وقسموه زمانياً ومكانياً، استهتاراً بمشاعر ملايين المسلمين.

ونحن نستذكر مواقف تركيا التاريخية في نصرة القضية الفلسطينيّة منذ الخلافة العثمانية، مروراً بالحكومات التي شكلها حزب العدالة والتنمية على مدار 12 عاماً، وكذلك موقف الرئيس أردوغان الصلب العنيد من إسرائيل.. إن تركيا أردوغان تعتبر - الآن - على بوابة زعامة الأمة الحقيقية.

في الحقيقة، نحن لن ننسى تلك التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء التركي؛ أحمد داود أوغلو، قبل شهرين، حين حاول البعض التشكيك في صدقية المواقف التركية تجاه قضية فلسطين، بعد الاتفاق مع إسرائيل على حلِّ الخلافات بينهما، حيث أشار: "القول بأن تركيا نسيت شعب غزة، وبدأت بالتقرب من إسرائيل، متجاهلة دعم فلسطين هو ادعاءٌ باطل، فنحن لا ننسى غزة، وفلسطين، والقدس، والمسجد الأقصى حتى في أحلامنا، فكيف في المفاوضات". وأضاف: إن الفلسطينيين "هم أكثر الشعوب التي تعرضت للظلم في القرنين العشرين والحادي والعشرين، والعالم يعلم جيدًا المواقف التركية تجاه فلسطين وإسرائيل"، مؤكدًا بالقول: "سنستمر بدعم الفلسطينيين اللامحدود، حتى إقامة دولة فلسطين الحرة وعاصمتها القدس.. لذا، لا يحق لأحد مساءلتنا حيال القضية الفلسطينية، والروابط الأخوية التي تربطنا بشعبها".

ختاماً: أيها الزعيم مطالبنا كثيرة، نستميحك عذراً أن تسمع لشكوانا، وتكون فلسطين حاضرة في كلمتك أمام القمة الإسلاميّة، كما كانت دائماً حاضرة في رئاسة الدولة، لعل كلماتك توقظ نخوة العروبة، وتحرك الولاء للإسلام..

أيها الرئيس، نأمل نحن الفلسطينيون أن نجد آذاناً صاغية واستجابة صادقة، ففلسطين الحاضرة الغائبة، هي الجرح الغائر والنازف في ضمير الأمة الإسلاميّة، وآمالنا معقودة عليك أن تعيد لها مكانتها من حيث العزة والحضور، كما أن المفتاح لنهضة الأمة وعودة فلسطين لتأخذ مكانتها؛ باعتبارها القضية المركزية للأمة، هو اجتماع الشمل بين أهم ثلاث قوى مركزية بالمنطقة؛ تركيا ومصر والسعودية.