قد تختفي الحياة النباتية في أي لحظة عندما تهم الدول في الصراعات النووية التي يُرى الكثير من بوادرها هذه الأيام، أو ربما تنقرض أحد هذه البذور نتيجة الجشع والبحث عن الأموال السريعة في العرض والطلب على نباتات معينة، وقد شاهدنا اندثاراً للكثير من النباتات على مر العصور، لكن هناك وفي مكان بعيد على أعتاب القطب الشمالي يوجد حلاً عبقرياً لهذه المشكلة التي تكمن فيما يسمونه بمخزن "يوم القيامة".
بداية كما أشرت في بداية سردي لهذه المقالة أن الأمر ليس له علاقة بالدين نهائياً، الأمر مجرد اسم فقط لهذا المخرن، وللتعريف بهذا المخزن، هو عبارة عن قبو يوجد في جزيرة "سبتسبرجن" النرويجية في أرخبيل سفالبارد، وهي منطقة تقع على بعد حوالي 1300 كم من القطب الشمالي في كهف يصل عمقه حتى 120 متر تحت الأرض، وهو قبو مهمته تخزين أو الحفاظ على بذور النباتات الموجودة حالياً وحمايتها من الانقراض في حالة حدوث أي سيناريو تم التنويه عليه سابقاً، وهو يحوي أكثر من 4.5 مليون بذرة من مختلف أصناف البذور النباتية، ويُطلق عليه أسماء كثيرة منها القبو النرويجي للبذور أو قبو سفالبارد العالمي للبذور أو الاسم الأشهر له قبو يوم القيامة.
تأسس قبو يوم القيامة من قبل شركة كاري فولر وبالتعاون مع مجموعة استشارية من لجنة البحوث الزراعية الدولية، وتم تمويل بناء المخزن بالكامل من قبل الحكومة النرويجية والتي قدّرت تكاليفها بنحو 9 مليون دولار، ويُذكر أنه تم افتتاحه عام 2008، تساهم في تشغيله وإدارته العديد من المؤسسات الخيرية العالمية وبعض الحكومات من مختلف أنحاء العالم.
وضعت حكومات النرويج، والسويد، وفنلندا، والدنمارك وأيسلندا حجر الأساس لهذا الصرح النباتي العميق في التاسع عشر من شهر يونيه عام 2006، يقع المستودع داخل أحد الجبال المكونة من الحجر الرملي داخل جزيرة "سبتسبرجن" النرويجية ولديها أنظمة أمنية قوية جداً ومصرح لأشخاص معينة الدخول لهذا القبو، ويتم تخزين البذور بها في أربعة أغلفة منعاً لوصول أي رطوبة أو حرارة إليها.
تعتبر هذه المنطقة منطقة مثالية وذلك لأنها تفتقر إلى النشاط التكتوني أو تكوينات الجليد السرمدية وذلك لكونها أعلى من سطح البحر بمقدار 130 متر، وتظل هذه المنطقة جافة حتى إذا تم ذوبان الجليد، ويتم تدفئة المكان باسخدام الفحم المستخرج محلياً من قبل السلطات النرويجية للوصول إلى درجة 18 درجة مئوية، وإذا فشلت المعدات سيبقى الأمر كما هو عليه لفترة تصل لأسابيع وذلك لوجود الحجر الرملي المحاط به هذا القبو، وقد صممت المباني الأرضية لتصمد حتى آلاف السنين بدون أي تعرض لأي تغير في الظروف البيئية وهذا هو هدفها المنشود.
يمتد على طول سقف المنشأة وحتى الباب الأمامي للدخول إلى القبو عمل فني من الإنارة التي تعتبر الإشارة المرئية لوجود هذا القبو، وتتميز أسقف القبو الداخلية بوجود طبقة فولاذية مقاومة للصدأ ومرايا مما يعكس ضوءاً قطبياً في فصل الصيف، أم في فصل الشتاء فهناك شبكة من حوالي 200 كابل من الألياف الضوئية التي تبعث ضوءاً أخضر وفيروزي خافت مع وجود الضوء الأبيض.
نتيجة للأزمة الراهنة في سوريا تم سحب مجموعة من البذو المخزنة بهذا القبو وهي مجموعة من البذور المقاومة للجفاف ومن بينها بذور للقمح والشعير وبعض من الأعشاب، وذلك لزراعتها بالأراضي السورية بعدما اجتاح الظلم بهذه الأرض الطيبة واجتاح وراءها الأخضر واليابس، وجاء ذلك الأمر بعد طلب المركز الدولي للبحوث الزراعية “ICARDA” في الأراضي الجافة والذي كان بمنطقة حلب في الأساس، ونظراً للأجواء غير المستقرة تم نقله إلى مدينة بيروت، وذلك أملاً في الحصول على محاصيل زراعية في تلك الأراضي الجافة وتعزيز وجودها في أرجاء سوريا.
استجابت إدارة المخزن لسحب مجموعة من البذور لنثرها في أماكن جديدة بلبنان والمغرب مما يسمح للعلماء مواصلة عملهم، وقد أرسل المركز الدولي للبحوث الزراعية حوالي 80% من المخزون لديهم لفك الأزمة النباتية داخل الأراضي السورية، من بينها أصناف القمح، والفول، والعدس والحمص وبعض أصناف الشعير، بجانب بعض البذور الإحتياطية من مخزن يوم القيامة.