تشير الأشهر الأخيرة لدورة الشتاء في الكنيست إلى مشاكل صعبة في الديمقراطية الإسرائيلية.
يبدو أن هناك موقفاً خاطئاً يعتبر أن الديمقراطية تتركز بقوة هذا الوزير أو ذاك أو لدى الأغلبية في الكنيست، لفعل كل ما يحلو لهم. الديمقراطية حسب هذا الموقف غير مقيدة لمن هم أصحاب القوة والنفوذ.
أحد المؤشرات إلى ذلك هو ازدياد اقتراحات التشريع غير الديمقراطية التي تم طرحها في الدولة الأخيرة. حتى لو لم تصل معظم الاقتراحات إلى مرحلة التطبيق، إلا أن الأجواء الجماهيرية التي تنشئها تلحق الضرر الكبير بالقيم الديمقراطية والليبرالية التي تقوم على أساسها الدولة.
اقتراح قانون تنحية عضو كنيست، الذي هو عملياً إقالة، يستند إلى حرية تحصل عليها الكنيست من أجل تغيير قرار الناخب. الكنيست التي تمثل السيادة تضع نفسها فوق السيادة – المدنية والمدنيين – لإبعاد أحد المنتخبين. الكنيست هي جسم سياسي خال من الموضوعية تجعل نفسها محققة ومتهمة وقاضية ومعاقبة، خلافاً لمبدأ فصل السلطات. وكل ذلك لأحداث سيرك مكارثي في كل مرة يقوم فيها عضو كنيست عربي بالتحدث بشكل استفزازي أو بشكل لا يرضي الأغلبية السياسية، الأمر الذي سيزيد العداء في العلاقات المتوترة أصلا بين اليهود والعرب في إسرائيل.
هكذا أيضاً اقتراح قانون إلزام منظمات المجتمع المدني العمل كوكلاء أجانب.
يهدف هذا الاقتراح إلى زيادة الشفافية كما يُبين. رغم أن القانون الموجود يطلب الشفافية من الجمعيات. وكأن منظمات حقوق الإنسان التي تحصل على التمويل من الدول الأجنبية أو من منظمات دولية، تعمل باسمها وبرعايتها، وتقوم بتحقيق مصالح أجنبية، إلا أن الواقع يقول غير ذلك، حيث إنهم يعملون من اجل مصالح المجتمع الإسرائيلي وعلى رأسها المساواة.
هذان الاقتراحان يضران بحرية التعبير التي هي حيوية جداً في مجتمع منقسم فيه خلافات شديدة حول ما هو مطلوب وما الذي يهدد وجوده.
وليس غريباً حدوث عدم شرعية اجتماعية بهدي من الأعلى، حيث بات هناك من يتعامل مع منظمات حقوق الإنسان على أنها منظمات معادية ويُدخل إليها «العملاء» من أجل «التجسس».
وهناك من يفخر بهذه الأعمال وكأنها أعمال بطولية ووطنية لا أعمال حقيرة تضر بأسس الثقة الاجتماعي، وقد كانت نقطة الحضيض هي انضمام رؤساء السلطة إلى المحققة السرية الخاصة في حملة خطيرة ضد «نحطم الصمت».
ليس فقط القيم الديمقراطية والليبرالية هي التي تتعرض للهجوم، بل أيضاً الرسمية، حيث تتراجع حينما يتضعضع موقف أن الوزير يخدم الجمهور وأن الولاء يعطى لكل الجمهور.
السلطة في إسرائيل لا تعمل كسلطة للشعب وعلى أيدي الشعب ومن أجل الشعب، كما قال أبراهام لنكولن، بل بطريقة معاكسة، حيث إن كل وزير يهتم بالمصلحة الضيقة للمعسكر الذي انتخبه. «وزيرة العدل تهتم باختيار قضاة متدينين، وزير التعليم يعمل على تحويل التعليم الرسمي إلى تعليم ديني متطرف، ووزيرة الثقافة تستخدم أموال الثقافة بالطريقة ذاتها».
من هنا تنبع الحاجة إلى تسييس الخدمات العامة – من اجل مكافأة الناخبين بوساطة وظائف مهمة مقابل الولاء للوزير، وليس للدولة، وهذا استنادا إلى الادعاء القائل إن تغييرا كهذا لا يعتبر تجاوز للتفويض الذي منحه الجمهور، وكأن ناخبي «البيت اليهودي» أو «الليكود» هم الجمهور جميعه. يصعب وصف التدمير الذي يقوم ذلك بإحداثه، والضرر بسبب أن الفترة المتوسطة للوزير تستمر لسنتين.
هذا السلوك السلطوي يلغي من الدولة جزءاً كبيراً من الجمهور، ويضر بالثقة بالسلطة وبمؤسساتها وبالبنية الاجتماعية التي هي جزء حيوي من الحصانة القومية. ويلحق الضرر بالمجالات التي يعتبر سر نجاحها عدم التدخل الكبير للسلطة: وسائل الإعلام، الثقافة والفنون، العلم والتعليم العالي.
والخطورة تكمن أيضا في مجال التعليم، حيث إن جهاز التعليم غير الملتزم بمبادئ العدل والمساواة لن يقوم بإنتاج مواطنين مسؤولين يلتزمون بالديمقراطية بل سينتج أعداء للديمقراطية.
كلما استمرت هذه العمليات السياسية والاجتماعية ضعفت ديمقراطية الدولة، وهذا يعتبر تهديداً وجودياً وقد يكون الأخطر من بين التهديدات القائمة.
ولكن، خلافاً لتهديدات أخرى، فإن سلوكنا كمجتمع وتوقعاتنا من السلطة هي في أيدينا.
مصير إسرائيل كديمقراطية يوجد في أيدينا، سلباً أو إيجاباً. لذلك فإن من يلتزم بالرسمية وقيم المساواة والحرية، من اليمين ومن اليسار، في كل المجالات يجب عليه أن يقول كلمته والعمل من أجل إصلاح هذا الوضع. وأولئك الذين اختاروا الجلوس على الجدار ينتمون إلى معسكر المدمرين.
عن «هآرتس».