من يخلق الوطنية الفلسطينية؟!

16380316231584219552
حجم الخط

اسمحوا لي قرائي الأعزاء هذه المرة ألا أرهقكم بالمقدمات الكلامية، بل سأدخل مباشرة الى لبّ الموضوع من خلال طرح أسئلة محورية: من يصنع الوطنية الفلسطينية؟ وهل «نحن» كفلسطينيين لنا ذات الرؤية التحررية الواحدة؟ واذا لم نملك ذات الرؤية الواحدة المتفق عليها، فإننا بالتالي نختلف على أدوات تحقيق الرؤية،  ولكن يتولد هنا سؤال آخر، ما هي هذه الأدوات التي يتفق عليها الفلسطينيون رغم اختلاف الرؤية التحررية؟ ولماذا لا نعمل بها ولو بشكل مرحلي من أجل إرهاق العدو!!. يجب أولاً أن نعترف، ونكون صادقين مع «الذات الفلسطينية»، بأن العدو الاسرائيلي نجح وبتفوق بعكس تقسيمنا الجغرافي (كانتونات) على هويتنا الفلسطينية ورؤيتنا وكيفية التعاطي مع هذا الاحتلال، وأثره في تمزيق الهوية وتضليل الرؤية، فقد أصبحنا مجتمعات فلسطينية مقسمة تتمثل في المجتمع المقدسي، والمجتمع الغزاوي، والمجتمع الضفاوي، ومجتمع الداخل، ومجتمع الشتات، ومجتمع اللجوء والمخيمات. جميعنا يتعامل مع الاحتلال بطرق وأدوات مختلفة، كل حسب واقعه المفروض عليه، ونناضل ضده ككيان احتلالي احلالي حسب ما يلائم كل مجتمع، مبررين ذلك بأن الواقع اختلف، دون الأخذ بعين الاعتبار بأن الواقع الذي اختلف قد اختلف أيضاً في بعض القضايا بما يُفترض أن ينعكس إيجابياً من أجل تعزيز الهوية الفلسطينية والرؤية الواحدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر التطور التكنولوجي. وهنا سأكون صادقاً مع ذاتي حينما أقول أنه رغم خلق الاحتلال لهذه المجتمعات، إلا أننا نحن من ساهم بتعزيزها بطرق وأدوات مختلفة، ومنها: لقد أصبحنا نتعامل بحلول جزئية وليس شمولية، خلق قيادات وليس قيادة وذلك بعكس ما تم في الانتفاضة الأولى التي أوجدت ق.و.م،» لمن يتذكرها «قيادة وطنية موحدة»، اتفاق أوسلو وما رافقه من آليات جديدة للتعامل مع المجتمع الفلسطيني كل حسب تواجده المكاني، شيخوخة منظمة التحرير الفلسطينية، ظهور الإسلام السياسي وخلق تصورات خارج المفهوم الوطني، التبعية لأجندات عربية وغير عربية، بالإضافة إلى سياسات الدول العربية التي استضافت اللجوء الفلسطيني، ومعاملة المؤسسات الدولية لهذه المجتمعات الفلسطينية، وقوانين الاحتلال وتشريعاته وبالأخص فيما يتعلق بالأقلية الفلسطينية الصامدة على أرضها بعد نكبة 1948. ويتجسد الأخطر من كل ذلك، بأن قيادات تلك المجتمعات أصبحت تغرق سفنها وسفن الآخرين، من خلال قتل الذات الفلسطينية، ف»إما أنا أو لا أحد» ضمن شعار «أنا ومن بعدي الطوفان»، ومدلولات وبراهين ذلك واضحة منذ نشأة الحركات الوطنية، والمثال الأقرب هو الانقلاب الحمساوي الذي  أظهر شرخا جديدا في مسار التحرر والقضية الفلسطينية اسمه المصالحة الفتحاوية الحمساوية دون أي أمل يُرجى لعلاج هذا الملف في الأفق. كل نقطة من النقاط السابقة بحاجة الى بحث للتعمق أكثر، وتسليط الضوء والإثبات بأن تلك العناصر منفردة ومجتمعة قد ساهمت بتذويب الهوية الفلسطينية، وأيضاً بتشتيت وقتل كل أمل في محاولة صناعة مفهوم وطني واحد نواجه الاحتلال الإسرائيلي من خلاله. إضافة لما سبق، أصبحت أدوات «النضال» متنازعا عليها وليس فقط مختلفَا عليها،( كيف متنازع عليها؟ مختلَف عليها، صحيح، بس متنازع عليها؟؟ «يعني بيتخانقوا يعملوها قصدك؟ ما فهمتها )، ممكن نعيد صياغتها ونقوله ببساطة: لقد أصبحت أدوات النضال مختلفا عليها فهناك من يعتبر «الصواريخ» عبثية!! وهناك من يعتبر المفاوضات مضيعة للوقت!! وهناك من يناضل من خلال إقامة جسور في المجتمع الإسرائيلي لإختراقه!! وهناك من يقاطع المحتل في مختلف الجبهات!! وهناك من يصارع الاحتلال داخل مؤسساته المختلفة في البرلمان والجامعة والمستشفى من أجل الحصول على حقوقه كأقلية!! وكنتيجة لذلك، يتم إطلاق النيران على بعضنا البعض من خلال وصف كل منّا للآخر بالمشبوه وطنياً وبالعمالة دون الإجابة على السؤال: من يخلق الوطنية الفلسطينية؟!