من المفهوم أن تصدر تصريحات بتهديد كل من جنوب لبنان وقطاع غزة بحرب جديدة من قبل رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية بيني غانتس، لسببين: الأول، فشله في الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة في تموز الماضي، وتلقيه هجوماً منظماً من قبل منتقديه حول فشله وضعف شخصيته، واتهامه بالتقصير وأنه لم يخض تلك الحرب إلاّ لكي تلتقط له الصور بجانب الأنفاق المدمّرة، من دون أن يدمر هذه الأنفاق تماماً، هذا جانب، أما على الجانب الآخر، فإن غانتس سيودع مهامه كرئيس لهيئة الأركان بعد أقل من أسبوعين، وعليه أن ينهي هذه المهام، بالتصريحات للرد على الانتقادات من ناحية، ولكي يفعل بالكلام والتصريحات ما لم يكن قادرا على فعله بالفعل عندما كان يتولى مسؤولية رئاسة هيئة الأركان!!
وإذا كان هناك ما يبرر لغانتس مثل هذه التصريحات الشكلية مودعاً مهامه، فإن للآخرين أيضاً مبرراتهم الموضوعية بالنسبة لهم، فهؤلاء جميعاً تقريباً، يطمح كل منهم بتسلّم حقيبة الدفاع في الحكومة التي سيتم تشكيلها بعد انتخابات الكنيست، وهو مبرر كاف ـ من وجهة نظر هؤلاء ـ للافصاح عن مهمتهم الأساسية في حال نجح أي منهم بتسلّم هذه الحقيبة، إنها الحرب، جوهر الدولة العبرية التي قامت وتستمر بالبقاء بسبب قدرتها المستمرة على شن الحروب، هذا هو ليبرمان وزير الخارجية الحالي، الطامح علناً لتسلّم حقيبة الدفاع مستقبلاً يقول بوضوح لا يقبل الشك: "يجب على إسرائيل إذا لزم الأمر أن تخوض عملية عسكرية كل عامين ضد أعدائها لتغيير توازن الرعب والعيش بهدوء" برنامج ليبرمان الانتخابي هو حربي عدواني بامتياز، لم يفكر هذا اليميني المتعصّب الحاقد على كل ما هو غير إسرائيلي ويهودي، بمن فيهم العرب بطبيعة الحال، لا يجد في طريقه إلى منافسة اليمينيين الآخرين، سوى برنامج حربي لشن حرب كل سنتين، هذا هو البرنامج الانتخابي للطامح للوصول إلى حقيبة الدفاع.
عند إشارة ليبرمان الى تغيير ميزان القوى، فإنه يعتبر أن حكومتي نتنياهو، وقد وصلتا إلى الحكم بفضل التحالف مع "إسرائيل بيتنا" الذي يقوده، شنّتا حربين، من دون أن توفرا الأمن والسلام للإسرائيليين، وهو انتقاد لاذع لأداء هاتين الحكومتين، فرغم أنهما شنّتا الحروب، إلاّ أن فشلهما في توفير الأمن والسلام للإسرائيليين، يفرض التغيير، وهو جاهز لشن حروب مبرمجة ونتيجتها جاهزة، كما يعتقد!
قائد المنطقة الجنوبية السابق، الجنرال يوئاف غالانت، نافس ليبرمان على حقيبة الدفاع في الحكومة القادمة، وبدوره لم تكن هذه المنافسة في اطار برنامج انتخابي يعكس هموم الناخب الأساسية، بل وأيضاً في مجال الحرب، فقد أعلن أنه سيخرج إلى حرب جديدة في قطاع غزة في حال تم تعيينه وزيراً للدفاع، لكنه سيوافق إذا ما رأت القيادة السياسية تعيينه بمنصب رئاسة الأركان، وفي أي حال من الحالتين فإن الحرب على قطاع غزة هي عنوانه الوحيد!
كل هؤلاء من عتاة اليمين في إسرائيل، وماذا عن دعاة اليسار؟! ها هو عاموس يادلين رئيس جهاز المخابرات السابق والمرشح على قائمة "المعسكر الصهيوني" والذي يعتبر نفسه "يسارا صهيونيا"، ينجرّ إلى قائمة المتوعّدين بحرب على قطاع غزة، وهو أيضاً يعرب عن رغبته في تولّي حقيبة الدفاع في حال فوز المعسكر الصهيوني في الانتخابات القادمة، وقد وضع برنامجاً أكثر دقة من المرشحين اليمينيين، ليس فقط زمنيا، بل عملياتياً: المواجهة القادمة ستكون قصيرة ومركّزة، وليس كما كان الأمر عليه في الحروب السابقة على القطاع، ذلك أن تلك الحروب دلّت على عدم قدرة وخبرة، ذلك أن العمليات المؤثرة لم يقم الجيش الإسرائيلي بتنفيذها!
في ظل هذه الهستيريا، فإن بعض قادة "المعارضة السورية" لا يجدون في الأمر أي حياء أو خجل أو عمالة، عندما طلب هؤلاء عَبر وسيط "إسرائيلي" من الدولة العبرية القيام بشن هجوم واسع على كل من إيران و"حزب الله"، ذلك ـ كما يرى هؤلاء ـ فإن سيطرة "حزب الله" على جنوب لبنان يهدد أمن الدولة العبرية، ولا ينقص جنوب لبنان وجنوب سورية وجنوب فلسطين (قطاع غزة)، سوى استجارة المعارضة السورية بإسرائيل لشن حروب جديدة على كل جنوب في هذه البقعة من الكون الواسع!!
قد نتفهم هستيريا الأعداء، لكن لن نغفر ولن نسامح، إزاء "الإخوة الأعداء"!!
عن "جريدة الأيام"