عندما تبحث فى الراديو عن محطة إذاعية وتظل تدير المؤشر إلى أن تصل إلى حدودها، تسمع أصواتاً بها غلوشة وتشويش، فتدير المؤشر يميناً ويساراً بهدوء وروية إلى أن تضبط الموجة فتسمع الصوت رائقاً نقياً واضحاً جلياً، محاولة نفعلها جميعاً كل يوم بطريقة روتينية، إلا كيان واحد، وهو الإدارة والسلطة والحكومة المصرية!!
نحن نحتاج إلى ضبط موجة الخطاب، وكما قال الأستاذ محمود مسلّم أمس فى مقاله المهم عن أن المشكلة الجوهرية هى فى أن حكومة غير مسيّسة تواجه شعباً مسيّساً، فإن الدولة لم تدرك هذه الحقيقة بعد، الدولة ما زالت على موجة الـAM والناس صاروا على موجة الـFM، تظل الدولة ضابطة مؤشرها على موجة قديمة من الخطاب، مصرّة عليها ومتأكدة أنها على الموجة الصحيحة، ويظل الناس على موجتهم الجديدة التى صنعتها الظروف الجديدة، هنا يتجسد المعنى الحقيقى لحوار الطرشان، تعالوا نهبط إلى أرض الواقع لنشرح عملياً هذا المعنى وكيف أن موجة خطاب الدولة لم تعد بالبلدى راكبة أو معشّقة أو ظابطة مع موجة الناس أو قطاع كبير منهم، أولاً موجة الخطاب الأبوى التى يتحدث بها الرئيس كثيراً والتى أتفهّم رنة الإخلاص فى نبراتها والتى كانت ناجحة فى وقت محدد وهو وقت زخم 30 يونيو مثل «انتو مش عارفين إنكم نور عنينا؟»، للأسف هذا الخطاب لم يعد صالحاً الآن، ليس لأن الناس ناكرة للجميل، وليس لأن الشعب ندل أخد غرضه ودلوقتى بيهاجم.. إلى آخر هذا الكلام والفهم الذى يجعل السلطة عصبية فى أحيان كثيرة لأن هذا الإحساس يسكنها تجاه بعض المعترضين الذين كانوا حلفاء الأمس، هذا الخطاب لم يعد صالحاً لسبب بسيط وهو أن الظروف قد تغيرت، المود والمزاج تغير، التوقيت تغير، أداة التواصل ونبرة وموجة الخطاب لا بد أن تواكب هذا التغيير، لا يمكن أن تخبر البوصلة قبطاناً بأنه متجه إلى الشمال بينما يصر على الاتجاه جنوباً، بوصلة الناس تريد المعلومة، لم تعد تقبل بغير المعلومة، ولم تعد تمضى شيكات على بياض، هذا لا يعنى أن الثقة غير موجودة، ولكن الثقة تحتاج إلى أرضية معلومات تقف عليها، لكى أضع يدى فى يدك لا بد أن أعرف قبلها أنا رايح على فين، موجة خطاب «انتم مش واثقين فيا؟.. صدقونى.. اسمعونى بس.. إلخ» بالنسبة لشعب مسيّس لن تسمع معها الاستجابة المطلوبة، وستجد المحطة مشوشة، والبرنامج غير مسموع، موجة خطاب إنجازات عدد الكبارى وكيلومترات الطرق أعرف أن الرئيس والإدارة السياسية تحبط عندما لا تجد مردودها من الحمد والشكر أو على الأقل الإحساس، لكن لأن الظروف قد تغيرت والدولة بدون لسان إعلامى محترم، فالناس المسيسون الذين صارت وجبة إفطارهم سياسة تعتبر أن هذا واجب على الدولة وليس منّة أو هبة، لأن مبارك اعتمد أيضاً على سياسة الكبارى فقط، وأنشأ عدداً منها يدخل بها موسوعة جينيس، وثار الناس عليه، لأن الناس تريد ترجمة هذه المشاريع الناهضة بالبنية التحتية من كبارى وطرق إلى ارتفاع مستوى معيشة وثبات أسعار ولا أقول انخفاضها ومستوى خدمات صحية وتعليمية جيد. أعرف أن المدة الزمنية لفاتورة الحساب قصيرة، لكن خطاب المشاركة التفاعلى هو الذى يسمح بتجاوز هذه الأزمات وغضّ الطرف عن بعض العقبات والمشاكل، لأنه لم يعد ينفع الخطاب المنبرى الذى يقف فيه الخطيب على أقصى درجات السلم ملقياً بأوامره على الجالسين الصامتين المنصتين الذين ما عليهم إلا الدعاء خلفه «آمين»، نعرف مدى إخلاص الرئيس وحبه لهذا الوطن، لكنّ عليه وعلى مستشاريه واجباً مقدساً وهو ألا يُعتبر أى معارض من طائفة المعوقين الأشرار، فقد فرزنا الأشرار وحسمنا نوعياتهم وعرفنا نواياهم خلاص وأى طفل مصرى يستطيع أن يشاور عليهم ويعدهم على صوابعه للحكومة!! وعلى فكرة: من لا يزال متلكئاً فى القضاء عليهم بحسم وقطع جذورهم من المؤسسات بجدية ليس الإرادة الشعبية ولكنها الإدارة السياسية التى ما زالت مصرة على أن الأحزاب الدينية ليست خطيرة ومختلفة عن الإخوان، التى ما زالت مصرة على عقد صفقات معهم بل وتعيين بعضهم فى مواقع حساسة، التى ما زالت تترك قادة منهم ليسيطروا على مؤسسات دينية مهمة، إذن نحن غير المتهمين بالتلكؤ فى قطع دابر أهل الشر يا سيادة الرئيس، عندما أحرّك مؤشر الراديو لضبط الموجة برغم سماعى للبرنامج، فأنا بذلك لا أمارس الترف أو باتدلع أو بأعانى من حالة بطر للنعمة ولكنى أريد سماعه نقياً دون تشويش، وهذا ما يريده ويرغبه الشعب ويحلم به الناس وهى رغبة بسيطة وحلم مشروع.
عن الوطن المصرية