يمكن للأحداث المتعاقبة في المنطقة العربية أن تكشف بوضوح شديد عدم نضوج الدولة الوطنية واكتمالها، وعدم تطور مفهوم الشعب المحلي الحاضن لهذه الدولة أو الذي تعبر هي عنه، كما يمكن تلمس غياب تناسق مفهوم الأمة العربية الجامعة. لم يكن الربيع العربي إلا ذروة اختمارات في رحم المنطقة العربية وتفاعلات تدلل على العجز المتواصل الذي أصاب الحالة العربية منذ نشوء الدولة القطرية وتوزيع المنطقة العربية بين الدول الإستعمارية وبعد ذلك جلاء هذه الدول وتعزيز فكرة الدولة القطرية، بالطبع باستثناء فلسطين التي وهبت بغير حق لليهود ليقموا دولة لهم تكون بديلاً عن الحضور الاستعماري برمته في المنطقة.
فمن جهة، فإن الدولة القطرية نفسها لم تنجح في أن تكون المعبرة الحقيقة عن تطلعات السكان الذين تعبر عنهم لا من جهة تقديم الخدمات اللائقة ولا من جهة الدفاع عنهم في وقت الخطر ولا من جهة التمثيل الحقيقي لهم ولتنوعهم السياسي والفكري. فجاءت الدولة قمعية تسلطية زبائنية يحتكر السلطة فيها مجموعة من قادة العسكر وحلفائهم من رجالات المال الذين سرعان ما سينصهرون سوية في علاقات أسرية وزواج وتبادل منافع، ولم تنجح في أن تكون دولة المواطنين القادرة على أن تكون ملكهم وليست ملك حفنة ضئيلة منهم. وعليه فإن الدولة العربية ظلت وطوال العقود التي تقل عن القرن من الزمن بقليل غير قادرة على أن تمثل مواطنيها خير تمثيل. ورغم الثراء الفاحش لبعض هذه الدول العربية إلا أن الدولة ظلت فقيرة وظل المواطنون يتسولون الحياة الكريمة ويشتهونها دون أن يدركوا منها إلا القليل، الذي توفر لفئة قليلة منهم. والثابت أن العلاقة غير الثابتة للدولة القطرية مع مواطنيها عكست نفسها بسرعة تخليهم عنها عند إندلاع أول مواجهات بينهم وبين أجهزة الدولة التي كانت بساطيرها دوماً فوق رؤوسهم، بل إنهم لم يتورعوا في اللحاق بميليشات لم يكن لها هم إلا أن تفتت الدولة وتعلن تحللها وانهيارها. والدولة العربية في التعريف الذي بات مألوفاً هي دولة آيلة للسقوط، بل إن بعضها قد سقط فعلياً ولم يعد من الممكن انتشاله من قاع البئر.
ومن جهة ثانية، فإن الشعب الذي تعبر عنه هذه الدولة لم يتشكل بشكل صحيح. فهو من جهة جزء من شعب أوسع أريد له أن يتبدد تحت سياط الدولة القطرية- الشعب العربي، ومن جهة أخرى فإنه شعب تشكل من خليط في الكثير من الدول من الأعراق وفي بعضها الآخر من المذاهب وفي البعض الثالث من كليهما. وليس في هذا عيب على الإطلاق إذ أن الدولة الحديثة هي دولة المواطنين بغض النظر عن أعراقهم ومذاهبهم. ولكن العيب في أن الدولة العربية لم تكن دولة حقيقة لذا فهي لم تكن دولة مواطنيها، بل هي دولة حاكميها. وعليه لم تفلح الدولة في تطوير هوية موحدة وشخصية جامعة للشعب الذي تمثله وتسعي لخدمته، بل قامت على قمع الهويات الفرعية. بالطبع الدولة غير مطالبة بتغذية هذه الهويات، بل كان عليها أن تقوم بخلق هوية أوسع وأشمل ترتكز على الولاء للدولة ولمصيرها على قاعدة التوزيع العادل للثروات والحقوق المتساوية وضمان التمثيل. أياً من هذا لم يحدث. بل تم قمع الهويات الفرعية ولم يتم تطوير هوية أوسع، وتم حرمان المواطنين من حقوقهم ولم يتم توزيع الثروات بشكل عادل واقتصرت برامج التطوير والتنمية على فئة دون غيرها. وهو ما نتج عنه عدم شعور الانتماء للدولة. لذلك لم تتورع مكونات «الشعب» في الانقضاض على الدولة في اللحظة المناسبة. علينا أن نتذكر أن هذه المكونات رغم ما قد يحب البعض من كيله لبعضها من تهم الولاء لجهات خارجية الكثير منها عرب خالصين مثل الشيعة العرب مثلاً، حتى أن المكونات الموالية للنخبة الحاكمة مثل السنة في الكثير من الدول فرّخت أخطر المجموعات تهديداً لاستقرار مفهوم الدولة، أقصد المجموعات الإرهابية المتطرفة.
أما من جهة ثالثة فإن المفهوم الجمعي الشامل للأمة العربية تفكك بشكل بات البحث عن احيائه صعباً. ليس لأن الدولة العربية الشاملة الواحدة لم تعد ممكنة على الأقل قريباً، وليس لأن الحكام العرب يتعاطون مع دولهم ممالك يجب الحفاظ عليها، وليس لأن القوى الاستعمارية ما قسمت البلاد حتى تسمح بتوحدها، وليس لعدم وجود رؤية قادرة على تثوير الحالة العربية وصولاً إلا وحدة حقيقة، ولكن إلى جانب كل ذلك لأن مفهوم الشعب العربي أيضاً تراجع امام ماكنة الإعلام المحلي الإقليمي وأمام تهويل الصورة المتضخمة للمصالح القطرية التي يجب أن تتعارض مع مصالح الجيران العرب أكثر من تعارضها مع مصالح الأعداء الحقيقيين للشعب العربي. النتيجة أن التضامن العربي المنشود ضاع. وليس من المؤكد أنه يمكن للمواطن العربي أن يشتري بضاعة الدفاع العربي المشترك التي يتم تبرير الهجوم على اليمن وفقها. دون أن يعني هذا الاعتراض على ما يتم في اليمن إذ أنني أجد نفسي واقفاً بجوار أي فعل عربي مشترك بالفطرة، لكن هذا الفعل يجب أن يكون ضمن رؤية أوسع وأكثر عمقاً وتقول شيئاً عن فلسطين التي ترزخ تحت نير الاحتلال منذ عقود أيضاً.
يبدو من المضحك أن نتذكر كيف نجحت داعش في أيام قليلة في السيطرة على مساحات شاسعة من العراق ومن سورية، وكيف أن الدولتين اللتين كانتا تصنفان في لحظة دولاً عربية قوية انهارتا فجأة. أيضاً الحال ليس أقل بؤساً في اليمن التي انهارات في أيام أمام زحف القبائل التي لم تجد لها مكاناً في الدولة، وكانت قد سبقتها في ذلك ليبيا. السؤال الكبير المتعلق في المستقبل يقول إن بناء الدولة العربية سوءا كانت قطرية ضيقة أو كانت الدولة العربية الكبرى (وهذه حلم يبدو بعيداً الآن)، يتطلب أكثر من مجرد إحكام الدولة للسيطرة على البلاد. نريد دولة حقيقة!.
فمن جهة، فإن الدولة القطرية نفسها لم تنجح في أن تكون المعبرة الحقيقة عن تطلعات السكان الذين تعبر عنهم لا من جهة تقديم الخدمات اللائقة ولا من جهة الدفاع عنهم في وقت الخطر ولا من جهة التمثيل الحقيقي لهم ولتنوعهم السياسي والفكري. فجاءت الدولة قمعية تسلطية زبائنية يحتكر السلطة فيها مجموعة من قادة العسكر وحلفائهم من رجالات المال الذين سرعان ما سينصهرون سوية في علاقات أسرية وزواج وتبادل منافع، ولم تنجح في أن تكون دولة المواطنين القادرة على أن تكون ملكهم وليست ملك حفنة ضئيلة منهم. وعليه فإن الدولة العربية ظلت وطوال العقود التي تقل عن القرن من الزمن بقليل غير قادرة على أن تمثل مواطنيها خير تمثيل. ورغم الثراء الفاحش لبعض هذه الدول العربية إلا أن الدولة ظلت فقيرة وظل المواطنون يتسولون الحياة الكريمة ويشتهونها دون أن يدركوا منها إلا القليل، الذي توفر لفئة قليلة منهم. والثابت أن العلاقة غير الثابتة للدولة القطرية مع مواطنيها عكست نفسها بسرعة تخليهم عنها عند إندلاع أول مواجهات بينهم وبين أجهزة الدولة التي كانت بساطيرها دوماً فوق رؤوسهم، بل إنهم لم يتورعوا في اللحاق بميليشات لم يكن لها هم إلا أن تفتت الدولة وتعلن تحللها وانهيارها. والدولة العربية في التعريف الذي بات مألوفاً هي دولة آيلة للسقوط، بل إن بعضها قد سقط فعلياً ولم يعد من الممكن انتشاله من قاع البئر.
ومن جهة ثانية، فإن الشعب الذي تعبر عنه هذه الدولة لم يتشكل بشكل صحيح. فهو من جهة جزء من شعب أوسع أريد له أن يتبدد تحت سياط الدولة القطرية- الشعب العربي، ومن جهة أخرى فإنه شعب تشكل من خليط في الكثير من الدول من الأعراق وفي بعضها الآخر من المذاهب وفي البعض الثالث من كليهما. وليس في هذا عيب على الإطلاق إذ أن الدولة الحديثة هي دولة المواطنين بغض النظر عن أعراقهم ومذاهبهم. ولكن العيب في أن الدولة العربية لم تكن دولة حقيقة لذا فهي لم تكن دولة مواطنيها، بل هي دولة حاكميها. وعليه لم تفلح الدولة في تطوير هوية موحدة وشخصية جامعة للشعب الذي تمثله وتسعي لخدمته، بل قامت على قمع الهويات الفرعية. بالطبع الدولة غير مطالبة بتغذية هذه الهويات، بل كان عليها أن تقوم بخلق هوية أوسع وأشمل ترتكز على الولاء للدولة ولمصيرها على قاعدة التوزيع العادل للثروات والحقوق المتساوية وضمان التمثيل. أياً من هذا لم يحدث. بل تم قمع الهويات الفرعية ولم يتم تطوير هوية أوسع، وتم حرمان المواطنين من حقوقهم ولم يتم توزيع الثروات بشكل عادل واقتصرت برامج التطوير والتنمية على فئة دون غيرها. وهو ما نتج عنه عدم شعور الانتماء للدولة. لذلك لم تتورع مكونات «الشعب» في الانقضاض على الدولة في اللحظة المناسبة. علينا أن نتذكر أن هذه المكونات رغم ما قد يحب البعض من كيله لبعضها من تهم الولاء لجهات خارجية الكثير منها عرب خالصين مثل الشيعة العرب مثلاً، حتى أن المكونات الموالية للنخبة الحاكمة مثل السنة في الكثير من الدول فرّخت أخطر المجموعات تهديداً لاستقرار مفهوم الدولة، أقصد المجموعات الإرهابية المتطرفة.
أما من جهة ثالثة فإن المفهوم الجمعي الشامل للأمة العربية تفكك بشكل بات البحث عن احيائه صعباً. ليس لأن الدولة العربية الشاملة الواحدة لم تعد ممكنة على الأقل قريباً، وليس لأن الحكام العرب يتعاطون مع دولهم ممالك يجب الحفاظ عليها، وليس لأن القوى الاستعمارية ما قسمت البلاد حتى تسمح بتوحدها، وليس لعدم وجود رؤية قادرة على تثوير الحالة العربية وصولاً إلا وحدة حقيقة، ولكن إلى جانب كل ذلك لأن مفهوم الشعب العربي أيضاً تراجع امام ماكنة الإعلام المحلي الإقليمي وأمام تهويل الصورة المتضخمة للمصالح القطرية التي يجب أن تتعارض مع مصالح الجيران العرب أكثر من تعارضها مع مصالح الأعداء الحقيقيين للشعب العربي. النتيجة أن التضامن العربي المنشود ضاع. وليس من المؤكد أنه يمكن للمواطن العربي أن يشتري بضاعة الدفاع العربي المشترك التي يتم تبرير الهجوم على اليمن وفقها. دون أن يعني هذا الاعتراض على ما يتم في اليمن إذ أنني أجد نفسي واقفاً بجوار أي فعل عربي مشترك بالفطرة، لكن هذا الفعل يجب أن يكون ضمن رؤية أوسع وأكثر عمقاً وتقول شيئاً عن فلسطين التي ترزخ تحت نير الاحتلال منذ عقود أيضاً.
يبدو من المضحك أن نتذكر كيف نجحت داعش في أيام قليلة في السيطرة على مساحات شاسعة من العراق ومن سورية، وكيف أن الدولتين اللتين كانتا تصنفان في لحظة دولاً عربية قوية انهارتا فجأة. أيضاً الحال ليس أقل بؤساً في اليمن التي انهارات في أيام أمام زحف القبائل التي لم تجد لها مكاناً في الدولة، وكانت قد سبقتها في ذلك ليبيا. السؤال الكبير المتعلق في المستقبل يقول إن بناء الدولة العربية سوءا كانت قطرية ضيقة أو كانت الدولة العربية الكبرى (وهذه حلم يبدو بعيداً الآن)، يتطلب أكثر من مجرد إحكام الدولة للسيطرة على البلاد. نريد دولة حقيقة!.