لو كنت أحد سكان غلاف غزة لكان نومي متقطعاً. فسيتضح لي مجددا أن الحكومة كذبت عليّ. وهي الآن تبيعني تكنولوجيا مجسات يمكنها الكشف عن الأنفاق، وأنها وضعت فوق رأسي «قبة حديدية». ولكن ليس هذا ما وعدتني به. فقد قالت لي إن عملية «الجرف الصامد» قد وضعت حدا لرغبة «حماس» في الخروج الى الحرب ضدي. وأن غزة تعرضت لهذا القتل وهذا الضرر الى درجة ستمنع «حماس» من الحفر تحتي.
وها هم ضباط الجيش الاسرائيلي يكررون التقديرات التي سبقت عملية «عمود السحاب» و»الجرف الصامد» والانتفاضة الثانية وانتفاضة الافراد. ورغم التكنولوجيا والكشف عن النفق، إلا أن هناك تقديرات واضحة ومعلومات استخبارية معمقة تفيد بأن العدو مصاب ومقموع وليست له قدرة أو طاقة. ويقولون إن الحدود هادئة بعد مرور سنة ونصف على عملية «الجرف الصامد» في غزة، ومرور عقد على حرب لبنان الثانية. وفي الأفق لا تلوح حرب ثالثة في لبنان وانتفاضة الافراد في تراجع.
إن هذه ليست اكاذيب، لكن هذا واقع مبني على الكذب. ذات مرة وعدونا أنه فقط اذا قمنا بتصفية قادة «حماس» فستكون الحياة ممتازة. وكأن «الارهاب» يعيش في دائرة ذاتية وهو مقطوع عن الواقع. وكأن الانتفاضة الاولى والانتفاضة الثانية والانتفاضة الثالثة هي مسرح «الفرنج»، وأن الفلسطينيين مسرورون لذلك. وأنه فقط اذا قمنا بتصفية أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي ويحيى عياش فسيختفي «الارهاب». تكشف هذا الكذب منذ الانتفاضة الثانية. وبعد ذلك أدت تصفية أحمد الجعبري في العام 2012 الى عملية «عمود السحاب». وبعدها سمعنا وعوداً وتعهدات بأن «حماس» قد انتهت.
لكن عمليات التصفية لأفراد أو بالجملة لم تفد بشيء. عملية «الجرف الصامد» التي هي حرب وحشية انتقامية ضد مليون و800 ألف مواطن غزي في أعقاب خطف الفتيان الثلاثة في 2014، حولت جميع سكان غزة الى «خلية» تستحق التدمير. وبعد ذلك بأقل من سنتين فاجأت انتفاضة الافراج بسبب الكذب ذاته. الكذب الذي يقول إن الحياة في الضفة الغربية وفي شرقي القدس ممتازة، وإن الاسواق التجارية والمقاهي في رام الله تفي بالطموحات القومية للفلسطينيين، وإنه لا خيار أمام محمود عباس سوى الانصياع. وها هم أولاد الشارع يطلون وهم يحملون السكاكين والمقصات والعبوات محلية الصنع ويمزقون ستارة الكذب.
يتفاخر بنيامين نتنياهو الآن في خلق دولة الهاي تيك التي هي سلاح الغد ضد «الارهاب». وسائل الكشف عن الانفاق و»القبة الحديدية» تجعل المواطنين في دولة اسرائيل في أمان.
إلا أنه في الطرف الغربي للنفق يوجد ثقب يكتظ بمليوني شخص خائبي الأمل وعاطلين عن العمل وفقراء، وخدمات الصحة والتعليم لديهم بعيدة سنوات ضوئية عما هي الحال في الطرف الشرقي للنفق. أجيال كاملة من الاشخاص الذين لا مستقبل لهم.
الغريب في الأمر أنهم ما زالوا خانعين، وما زال الجدار الكهربائي الذي يحيط بهم ساري المفعول. ولكن أي «قبة حديدية» أو مجسات ستكبحهم إذا قرر بضع آلاف في يوم ما تسلق الجدار أو الإضراب عن الطعام بالقرب منه مثل اللاجئين السوريين الذين لم يعد لهم ما يخسرونه.
في سنة 2008 فاجأ نحو نصف مليون شخص من سكان غزة المصريين عندما اقتحموا الجدران ودخلوا الى سيناء. فما الذي سيفعله «القائد العسكري» الاسرائيلي في حالة كهذه؟ هل سيأمر الجيش باطلاق النار عليهم؟ هل سيقوم بتوجيه صواريخ «القبة الحديدية» نحوهم مباشرة؟ لو كنت أعيش في غلاف غزة لكان هذا هو سبب خوفي الرئيس.