لم يكن الوضع الفلسطيني بحاجة الى خلاف جديد. ما فيه من خلافات، وقصورات يكفي ويزيد. لم يكن ، بشكل خاص بحاجة الى هذا النوع من الخلاف ، ولا ان يقع بين تنظيمين ظلا طوال عمر الثورة يشكلان القطب الاساس والصلب للنضال الوطني الفلسطيني، والحامي للوحدة الوطنية والمحافظ على استقلالية القرار الوطني وعلى ديموقراطية الخلاف وسلميه الجدل حوله، والصائن لحرمة الدم الفلسطيني الا في مواجهة العدو في ساحات الصراع معه. ولم يقلل من ذلك اية فروقات بالحجم او الامكانيات او الموقع، ولا الخلافات الكثيرة التي حصلت بينها وتنوعت في اسبابها وطابعه وحدتها. يستحضر التذكير بهذه الحقيقة الخلاف الذي اشتعلت ناره بين حركة فتح وبين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الاسابيع الاخيرة، وذلك على خلفية ما اعلن عن قرار للرئيس بوقف المخصصات المالية للجبهة الشعبية وموقف الجبهة للقرار وردة فعلها حوله. خصوصا وان الخلاف لم يبق في حدود العلاقة بين الجبهة الشعبية ومؤسسة الرئاسة بل تحول الى خلاف بين الجبهة وبين حركة فتح خاضته من موقعها كتنظيم يقود السلطة ومعها مؤسستي الرئاسة واللجنة التنفيذية للمنظمة. وخصوصا ان الخلاف تم استغلاله والصقت به، تعبيرات وتصرفات بعيدة تماما عن النهج والفكر والتاريخ والمسؤولية التي عرفت بها الجبهة الشعبية عبر تاريخها النضالي الطويل. في الجدل حول قرار الرئيس: - فانه قد تم ابلاغه للصندوق القومي الفلسطيني للتنفيذ بغض النظر عن الطريقة التي تم بها الابلاغ . - ليس هناك اي تأكيد او حتى حديث انه صدر بعد قرار او موافقة من اللجنة المركزية لحركة فتح عليه. - انه لم يصدر بقرار عن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ولم يؤخذ رأيها المسبق به. علما بان مخصصات التنظيمات تصرف من منظمة التحرير عبر الصندوق القومي. القرار، بحد ذاته ، لا ينسجم مع الاعراف التي تكرست في النضال الوطني الفلسطيني ولا مع طبيعة العلاقات بين مكوناته وتنظيماته. خصوصا وانه يطال بالدرجة الاولى كادرات واعضاء مناضلين في معيشتهم، كما يطال التزامات التنظيم المعني وفاعليته. والقرار بالشكل الذي يجري الحديث حوله يثير سؤالا عن المستشارين والدور الذي يلعبونه وادائهم لمسؤليتهم بالنصح والمشورة، ان في تشجيع صدور القرار او تبيان مضار صدوره. الرئيس كان قد اتخذ في السابق، مثل هذا القرار ولكنه اوقف تنفيذه بسبب المراجعة، او بسبب توضح عوامل سوء الفهم او استجابة لوساطات خيّرة. الموقف الرسمي للجبهة الشعبية بشكل عام وكما اعلنه مسؤولون اول فيها جاء مسؤولا، وحافظ على التوازن بين رفض القرار والتمسك بالحق، وبين الحرص على الوحدة الوطنية في اطار المؤسسات الوطنية الجامعة وبالذات منظمة التحرير، وبين التبرؤ من بعض الممارسات الخارجة الفردية او المدسوسة في الغالب . لا يمكن تجاهل ان هناك اطرافا حاولت استغلال الخلاف والنفخ في ناره وتحميله ابعادا ودلالات اكبر من حجمة بالانسجام مع مواقفها وقناعاتها وسياساتها، وكأنها تصب زيتا كثيرة على نار القش محدودة الاستعار. هناك ثقة ان عمق العلاقة وتاريخيتها وامتدادها بشمولية في عضوية وكادرات وقيادات التنظيمين وقواسمهما النضالية المشتركة قادرة على اخراجهما بسلام من هذا القطوع. ومع ذلك فان الخلاف وما اظهره يستحضر تساؤلات هامة حول الواقع الحالي للنظام السياسي الفلسطيني بشكل عامة، من اهمها : - طريقة واسلوب اتخاذ القرار وحدود الصلاحيات، بارتباط وثيق مع التساؤل عن حضور المؤسسات الوطنية الفلسطينية الجامعة وفعلها ودورها بوصفها قيادة وطنية حقيقية وصاحبة القرار والمسؤولة عنه وعن تنفيذه وملاحقة تنفيذه، ثم عن نتائجه وتبعاته. - حالة التربص القائمة بين، ومن قبل، بعض الاطراف الفلسطينية التنظيمية والاعلامية والعامة، والجzاهزية للاستقبال المرحب بالخلاف والنفخ في ناره بدوافع تنظيمية او ذاتية وصغيرة في معظم الحالات. كمكون من مظهر اعم لدى هذه الاطراف، يقوم على المناهضة المطلقة العامة والتشكيك وتصديق اي اتهام او تشويه دونما تمعن. وهو امربعيد عن حقوق النقد والمسائلة والاختلاف وطلب المحاسبة والمناداة بالتغيير. ومرة اخرى واخرى، غياب التجديد ان في البرامج وفي طرائق العمل وفي المؤسسات والاشخاص. والاهم في العودة الى الناس اصحاب المصلحة الاولى والحق لتجديد التفويض القيادي والمؤسسي بطريق ديموقراطي نزيه قائم على صندوق الانتخاب. هل نطمح ان يكون الخلاف رغم سلبيته، ورغم الثقة بالخروج منه، مدخلا لمناقشة في العمق لامور واوضاع وضرورات اكبر واهم بكثير من الخلاف ذاته.