قادة الجبهات الإسرائيليون يرسمون «خارطة التهديدات والفرص»

20162204213425
حجم الخط

أنفاق في غزة، موجة "الارهاب" في الضفة، عمليات "داعش" والحرب الاهلية في سورية، تعاظم "حزب الله" ومستقبل المشروع النووي في ايران، استقرار الحكم في مصر وفي الاردن – كل هذه هي فقط بعض من التحديات التي ترافق في السنوات الاخيرة الشرق الاوسط، واسرائيل، والتي تجمع بينها ميزة بارزة للغاية هي انعدام اليقين – المسؤولون عن محاولة تبديد انعدام اليقين هذا، او على الاقل ايضاح بعض مؤشراته، هم رجال الاستخبارات: فهم المطالبون بان يقدروا ماذا سيكون، وأن يضعوا بنية تحتية للرد التنفيذي (والسياسي) الاسرائيلي. عشية عيد الفصح جمعنا في مقابلة حصرية أربعة من قادة الساحات في دائرة البحوث في شعبة الاستخبارات العسكرية: ع، رئيس الساحة الفلسطينية؛ ش، رئيس الساحة اللبنانية، ر، رئيس ساحة دول المنطقة والقوى العظمى؛ وأ، رئيس الساحة الشمالية – الشرقية (سورية، العراق وايران). في الماضي كانت في شعبة الاستخبارات العسكرية "امان" ساحات أكثر، ولكن التغييرات الاقليمية ومتغيرات اضافية اخرى مثل عالم السايبر واضطرارات الميزانية أدت الى المبنى الحالي الذي تكون فيه أربع ساحات (وواحدة اخرى فنية) مسؤولة، عمليا، عن كل العالم. وبطبيعة الحال وبطبيعة المهنة، فان الاشخاص انفسهم سريون، ولكن التقديرات عما هو متوقع لنا يطرحونها هنا لاول مرة ليوفروا اطلالة نادرة على التهديدات (والفرص) حولنا. غزة: ردع هش توجد غزة في هدنة عميقة، واذا نظرنا الى الامر منذ الفترة التي صعدت فيها "حماس" الى الحكم فهي هادئة بتعابير تاريخية. وبالتوازي، نرى عملية تعاظم مستمرة، النفق الذي انكشف مؤخرا في جنوب القطاع هو جزء منه. ورغم أن هذا نفق قديم حفر قبل فترة الجرف الصامد، بتقدير شعبة الاستخبارات، فان هذا الجهد مستمر. على المستوى الاستراتيجي تعيش "حماس" في ضائقة. فاذا كانت تحدثت في الماضي مع الجميع وتلقت المساعدة من الجميع، فإنها اليوم معزولة. فقد طلقتها مصر تماما ومن ناحيتهم فإنها تساوي "داعش"، ولدى السعودية ودول اخرى يوجد لها منافسون. فالمال يذهب الى اليمن، الى سورية، والى تهديدات اكثر اشتعالا. التمويل والوسائل القتالية تحصل عليها المنظمة اساسا من ايران، التي تنقل معها بالتوازي حملة اهانات، لأنها تطالبها بان تقرر في أي جانب هي: معها، أم مع السنة في سورية. فضلا عن ذلك، فان النشاط المصري يجعل من الصعب ايضا ادخال السلاح الى القطاع (من ليبيا اساسا)، حيث إن "حماس" تجد نفسها منعزلة اكثر من أي وقت مضى. رغم ان الظروف الاساسية في القطاع تشبه تلك التي سادت قبل "الجرف الصامد"، فان "حماس" مردوعة من المواجهة. ولا ينبع هذا من العزلة الاستراتيجية، بل اساسا من ضائقة السكان. ففي القطاع يوجد اليوم ثماني ساعات غير متوالية من الكهرباء في اليوم و 50 في المئة فأكثر بطالة (ولاسيما لدى الشباب)، وقدرة "حماس" على أن تأخذ السكان مرة اخرى الى مواجهة واسعة هي قدرة محدودة. رغم العزلة، تنجح "حماس" في ايجاد صناعة سلاح مزدهرة. فاذا كان السلاح في الماضي يتم تهريبه في معظمه من الخارج، فانه ينتج اليوم في القطاع على اساس علم محلي ومواد تبقت في بعضها من السنوات التي هربت فيها كميات كبيرة، وبعضها من انتاج محلي، وان كانت بجودة اقل. بقيت العلاقات داخل "حماس" مركبة مثلما كان في المثلث بين الذراع العسكرية والذراع السياسية في القطاع وبين خالد مشعل في الخارج. العنصر الجديد هو القوة المتعاظمة ليحيى السنوار، من الاباء المؤسسين للحركة والمحرر في صفقة شاليت، والذي جعل لنفسه مكانة مستقلة، ورغم أنه ينتمي رسميا للقيادة السياسية فانه لا يخفض عينيه عندما يتحدث مع محمد ضيف. ثمة ثلاثة سيناريوهات من شأن الوضع في غزة فيها أن يتغير. الاول، قرار تبادر اليه "حماس" في أنه لا يمكن مواصلة الوضع الحالي من العزلة والضائقة الاقتصادية، والسبيل الوحيد لتغييره هو من خلال انجاز كالاختطاف مثلا. مثل هذا السيناريو لعملية تأتي بمفاجأة تامة، يقوده ضيف والسنوار، ولكن احتمالاته متدنية جدا. في السيناريو الثاني، الذي هو ايضا في هذه اللحظة باحتمالية متدنية، تخرج "حماس" لعملية كخطوة مسبقة او وقائية. فمثلا، اذا كانت تشعر أو تفكر بان اسرائيل حلت لغز الانفاق وتعرف كيف تصفيها، فإنها تقرر استخدامها قبل أن تفقدها. أما السيناريو الثالث الاكثر إثارة للقلق بين كل السيناريوهات فهو دينامية تصعيد، مثلما رأينا قبل "الجرف الصامد". حقيقة أن "حماس" غير معنية الآن بالمواجهة – او عمليا معنية بان تختار الموعد للدخول فيها – لا تعني انها غير مستعدة للمواجهة. فاليوم ايضا هي قادرة على أن تحقق مبادئها القتالية: تنفيذ اقتحامات الى داخل اسرائيل، اطلاق الصواريخ بشكل متواصل وضرب بلدات غلاف غزة. من المعقول الافتراض بان الجولة القتالية التالية ستكون فيها "حماس" معنية بان تبدأها باقتحام – ادخال الكثير من المقاتلين لاهداف عسكرية ومدنية على حد سواء – خطوة بدء قوية، كل قتال يأتي بعدها لا يمكنه أن يمحو انجازاتها. لهذا الغرض فإنها تبني كمية كهذه من الانفاق الهجومية والدفاعية: هذا هو لباب مفهومها القتالي. والنفق الذي انكشف هو جزء من هذا الجهد، رغم أن هذا نفق قديم لم ينكشف في "الجرف الصامد"؛ يحتمل ألا تكون "حماس" استخدمته بسبب عدم جاهزيته العملياتية أو أن يكون النشاط في الجانب الاسرائيلي جعل استخدامه صعبا. الضفة: بين اليأس والخليفة لا يمكن تجاهل الانخفاض في حجم العمليات في الفترة الاخيرة. فلا يدور الحديث عن نهاية موجة "الارهاب" بل عن انخفاض، بعضه يعود للنشاط العملياتي وبعضه يتأثر باحداث اخرى. ومثلما اندلع العنف من غير حدث مبادر اليه ومنظم، هكذا خبا ومن شأنه ان ينشب من جديد. وعليه، فان التعريف للاحداث "هبة" كما يسمي الفلسطينيون ذلك هم ايضا؛ ليس مثل الانتفاضة الاولى؛ إذ لا يوجد هنا جماهير، وليس مثل الثانية لأنه لا توجد هنا مزايا "الارهاب" المنظم. العامل المركزي الذي يصعب حل لغزه هو الشباب. حتى الآن كانوا يسمونهم الجيل المصلحي الذي نسي معنى ان يكون المرء فلسطينيا، والآن وجدوا لانفسهم صوتا. هذا جيل يركل كل شيء: يركل السلطة، يركل اسرائيل، يركل جيل الاباء ويركل المنظمات، وعليه فانه اكثر تعقيدا على الفهم. ولا يزال يدور الحديث عن عادات قليلة: أغلبية الجمهور بقيت في البيت ولا تنضم الى الاحداث. وعليه فان التقديرات هي الاخرى لا تتناول "الجمهور" بل "اجزاء من الجمهور"، ولاسيما الشباب. في نظرة أوسع، فان موجة "الارهاب" الحالية هي جزء من عملية تصدع النظام الشامل الذي كان في "يهودا" و"السامرة" (الضفة الغربية) منذ 2007: ابو مازن كحاكم فردي وقوي، "فتح" ملجومة ومشاركة في الحكم، "حماس" ضعيفة، وجمهور هادئ – في كل هذه المداميك توجد صدوع. لاول مرة يوجد اليوم انشغال بمسألة الخليفة، وواضح أنه انتهى عصر الابوات. ليس لابو مازن خليفة طبيعي، ومن المتوقع حصول معركة خلافة غير بسيطة بين غير قليل من المحافل، ويحتمل أن نرى ارتباطا لبعض ذوي القوة في ائتلاف سلطوي. في هذه الاثناء من سيربح من الاحداث هو "حماس"، التي حيال الضائقة في غزة تشخص في الضفة فرصة استراتيجية. فـ"حماس" تأمل بان تتصاعد الاحداث فتجر اسرائيل لعمل في الضفة، والى الفراغ الذي سينشأ، تدخل فتسيطر. في "حماس" ايضا يلاحظون الانخفاض في حجم الاحداث، ويحاولون تشجيع الجمهور على النشاط والعمليات. في هذا الجانب، فان الفترة الحالية لعيد الفصح حساسة على نحو خاص، لأنه تشارك فيها ملازمات دينية (الحرم) وكذا كميات كبيرة من المتنزهين الذين هم دوما هدف محتمل سهل نسبيا لـ"الارهاب". التخوف الاساس هو أن يجبر التدهور الجهتين المسلحتين المركزيتين – اجهزة الامن والتنظيم – الى التوجه ضد اسرائيل، ما يغير الوضع من الاساس. فطالما بقيت المنظومة الفلسطينية مستقرة والرواتب تدفع فان احتمال ذلك طفيف نسبيا، ولكن تصاعد العمليات او معارك الخلافة الداخلية من شأنها ان تضعضع التوازن الحساس القائم. في هذا الجانب، فان استمرار التنسيق مصلحة مشتركة  اسرائيلية - فلسطينية. يغطي "التنسيق الامني" بقدر كبير على غياب المسيرة السياسية ايضا. فابو مازن يعارض العنف، ليس لأنه نباتي بل انطلاقا من الفهم بان هذا يخدم اسرائيل. وعليه فهو يعمل في اتجاه استراتيجي آخر: لذع اسرائيل وضعضعة اساساتها في الساحة الدولية. لا يؤمن أبو مازن بانه سيصل عبرها الى هدفه – دولة فلسطينية – ولكنه يعتقد بان تعاظم هذه الميول سيجعل ادارة النزاع باهظة الثمن اكثر على اسرائيل، وعندها فإنها ستلين لتقبل بحل ما. سورية: ضوء في نهاية الحرب ادت المساعي الدولية لإنهاء القتال في سورية الى تغيير في التقدير الاستخباري: فاذا جرى الحديث حتى الآن عن حرب فليس لها افق ومن غير المتوقع فيها حسم في المستقبل المنظور، فقد بات الحديث الآن يدور عن احتمال للتسوية، في ختامها (وبخلاف التقديرات السابقة) تعود سورية لتؤدي دورها كدولة. من المتوقع لهذه الخطوة أن تستغرق اشهرا، وربما سنوات، وهي منوطة بمتغيرات كثيرة جدا. ليس واضحا اذا كانت سورية ستقسم في نهايتها الى فيدراليات على اساس طائفي، أم ستكون فيها مناطق ذات حكم ذاتي، كما ليس واضحا من سيسيطر فيها: ليس للاسد خليفة واضح، ومثلما في السلطة الفلسطينية  من المعقول انه بعده سيقوم ائتلاف لمراكز قوة، ويحتمل أنه خلافا للماضي لن يقوم هذا فقط على الطائفة العلوية. تسوية كهذه لن تتاح بدون روسيا، التي ستحافظ على العلويين وعلى مصالح ايران و"حزب الله" ايضا، وبالاساس على مصالحها: تواجد عسكري في الشرق الاوسط، حفظ قوتها في الصراع بين الكتل، تحقيق مصالحها الاقتصادية ومنع انتقال الارهاب الاسلامي الى حدود روسيا. صحيح أن جيش الاسد تعزز مؤخرا في اعقاب بضعة نجاحات عسكرية، ولكنه يواصل الاعتماد اساسا على المساعدة الروسية والايرانية. في سورية يوجد اليوم اكثر من 10 آلاف مقاتل من الميليشيات الشيعية تساعد الجيش السوري، يضاف اليهم نحو 1.500 مقاتل ايراني، وآلاف من مقاتلي "حزب الله" وكذا قوة روسية مهمة. كما أن روسيا تدير عمليا جزءا من القتال، ولاسيما في تركيز الهجمات ضد "داعش". النشاط الروسي (وكذا الأميركي) أوقف مؤخرا الانتشار الجغرافي لـ"داعش"، الذي تكبد بالتوازي انخفاضا بعشرات في المئة في قدرته الاقتصادية ايضا. والسبب المركزي في ذلك هو الضربة للبنى التحتية النفطية، ولكن ايضا الانخفاض في المداخيل من الضرائب كنتيجة لقلة السكان في "المناطق" التي تحت سيطرته. واستمرارا لذلك يتبين انخفاض ما في وتيرة تجنيد المقاتلين الجدد الى صفوف "داعش"، الذي يعيش الآن في دائرة مغلقة: الخسائر الاقليمية والمالية تقلص الهالة بأنه وحده كتنظيم ثوري لا يهزم، وبالضرورة تخفض هذه الدافعية للخدمة والتجند في صفوفه. لقد أدى هذا الضغط في سورية وفي العراق، على ما يبدو، الى العمليات الاخيرة في اوروبا كجزء من جهود التنظيم للابقاء على الزخم. والتقدير هو ان مثل هذه المحاولات ستستمر ايضا على خلفية انضاج القدرات العملياتية، ولكن الاستخبارات لا تلاحظ في هذه اللحظة تركيزا لجهود "داعش" على اليهود أو على الاسرائيليين. كما أن احتمالات العمليات المباشرة ضد اسرائيل – من حدود هضبة الجولان – متدنية نسبيا، ليس لنقص الدافعية بل بسبب مصالح اولى: صراعات السيطرة في هضبة الجولان حيال مجموعات اخرى. لدى "داعش" (وكذا جبهة النصرة) قدرة ووسائل قتالية مناسبة لتنفيذ العمليات عبر الجدار، ولكن تصريحاتهم لا تشهد في هذه اللحظة على النية للتركيز على اسرائيل بل على محاولة توسيع سيطرتهم في الاراضي السورية. وبالمناسبة، في الغرب قلقون مؤخرا من ترسخ وضع "داعش" في ليبيا لدرجة امكانية أن يسيطر على اجزاء واسعة في الدولة وبالاساس على ذخائرها الاقتصادية مع التشديد على النفط. فالقرب الجغرافي من اوروبا متداخلا مع كمية وتنوع الوسائل القتالية في الدولة كفيل بان يؤدي الى عمل عسكري قريب في ليبيا بهدف الامتناع عن تكرار السابقة العراقية – السورية في اقامة دولة داعشية جديدة. ولكن بينما تلوح ليبيا بانها التحدي التالي، فان ضعف "داعش" في قاعدته الحالية يفترض، لاول مرة، امكانية عملية بان يهزم دون تواجد عسكري اجنبي على الارض. واحتلال تدمر هو مثال بارز على ذلك، والتحدي التالي سيكون القتال ضد مركزيه الآخرين – الرقة في سورية والموصل في العراق. وفضلا عن ذلك، سيجد "داعش" صعوبة في أن يعود الى التوسع، وتوسيع الضربة له سيزيد ايضا احتمال تحقيق تسوية تنهي القتال في سورية. واستمرارا لذلك، وهذا تغيير ايضا، من الواضح أن "داعش" لن يسيطر على سورية، ولكن ايران هي الاخرى لن تسيطر. بالمقابل، فان التطلع الاسرائيلي للتعطيل التام للتدخل الايراني في سورية يلوح بانه غير واقعي، ولكن في كل تسوية مستقبلية ستطلب اسرائيل التقليص قدر الامكان لمسارات نقل الوسائل القتالية من ايران (عبر سورية) الى "حزب الله"، التأخير قدر الامكان من اعادة بناء الجيش السوري الذي تآكل جدا في السنوات الخمس من الحرب الاهلية، وايجاد آلية تضمن الهدوء في هضبة الجولان، الممزقة الآن بين جملة محافل، ما من شأنه أن يجعل تحقيق الاستقرار فيها صعبا. "حزب الله": درع لبنان دفع "حزب الله" في الحرب في سورية ثمنا باهظا أكثر مما كان معروفا حتى الآن: نحو 1.300 قتيل، ونحو 10 آلاف جريح. رغم هذه الاعداد، يواصل التنظيم التدخل عميقا في مساعدة قوات الاسد في الحرب في سورية؛ نحو 7 آلاف مقاتل من "حزب الله" يشاركون في الحرب، والعلامة العملياتية التي تعطى لهم عالية؛ فقد انتصروا في معظم المعارك التي شاركوا فيها. لقد وضعت الحرب في سورية "حزب الله" في الجانب "الصحيح": فلاول مرة حقا اصبح درع لبنان. فقد اعطى للتنظيم ما لم يكن له في الماضي ايضا: تجربة قتالية مهمة، في اطر كبيرة، بما في ذلك استخدام وسائل متطورة كالطائرات غير المأهولة. ومن جهة اخرى، وضعت له اثقالا جسيمة على الرقبة. نفقاته ارتفعت جدا في اعقاب القتال، كنتيجة للحاجة لدفع علاوات للمقاتلين، وتمويل الجرحى وعائلات القتلى. هذا العبء وقع بالتوازي مع تقليص 10 – 15 في المئة من ميزانيته، نتيجة الضائقة الاقتصادية في ايران. ويبدو ضرره واضحا اساسا في الانفاق الجاري، وبقدر اقل في التعاظم. فرغم القتال والخسائر، ورغم التقليصات، يحافظ "حزب الله" بعناية على مبنى قوته العسكرية استعدادا للمواجهة مع اسرائيل. بعد سنوات استثمر فيها اساسا بالكميات (الصواريخ) يركز "حزب الله" الآن على النوعية. صواريخ للمدى البعيد، دقيقة، ومع رأس متفجر كبير يضمن ضررا اقصى. وهذا يستهدف السماح له بجباية ثمة كبير من اسرائيل في الحرب التالية، وبالمقابل ردعها من الدخول الى حرب كهذه لعلمها بالثمن الذي ستدفعه. يجمل "حزب الله" لنفسه بايجابية العقد الذي انتهى منذ حرب لبنان الثانية. فقد نما، تعاظم، وبنظرته يردع اسرائيل. بعد سنوات من التجلد على جملة الاعمال المنسوبة لاسرائيل، عاد ليرد على ما يعتبره مسا بذخائره او بمكانته. ومع أنه مستعد لان يمتص الضربات، شريطة الا يحرج؛ ففي اللحظة التي تنشر فيها الامور وتتضرر مكانته، يضطر الى الرد بل ومستعد لاخذ المخاطر. وهو يفعل ذلك رغم أن لا مصلحة له في مواجهة واسعة مع اسرائيل، وعليه فهو يحرص على أن يكون رده في اطار "قواعد اللعب" – في هار دوف، ضد اهداف عسكرية – ولكن التخوف هو أن يؤدي تواصل الضربات المتبادلة الى دينامية تصعيدية وفقدان السيطرة وتدهور الوضع في الشمال. في السنة الماضية كان يخيل ان مثل هذا التصعيد سيأتي بالذات من هضبة الجولان، حيث حاول "حزب الله" اقامة قاعدة متقدمة تسمح له بتنفيذ العمليات ضد اسرائيل من غير الحدود اللبنانية. والضربة للشبكات وقادتها، التي نسبت لاسرائيل، ادت الى اجتثاث الجهد؛ صحيح حتى اليوم أنه يوجد انشغال اقل من "حزب الله" وايران في هضبة الجولان، وان كان الواقع كفيلا بان يتغير بسرعة. "بشرى" اخرى ترتبط بجهود "حزب الله" لتنفيذ عمليات ضد اهداف اسرائيلية ويهودية في ارجاء العالم. فبعد سنوات من النشاط المشترك مع الايرانيين (ذروته في العملية في بورغاس في العام 2012) يمتنع التنظيم الآن عن الارهاب في ارجاء العالم. ورغبته الواضحة هي أن يثبت نفسه في الرحاب السياسي في لبنان وكجزء من الحكم الشرعي في نظر العالم، ويخشى من أن تصوره عمليات في الخارج كتوأم لـ"داعش". إيران: بقي التهديد منذ التوقيع على الاتفاق النووي، لا تلاحظ الاستخبارات بان ايران تنفذ اعمالا محظورة عليها بشكل واضح، ولكنها بالتأكيد تلعب على الحدود وتناور مع ما هو مسموح لها وممنوع عنها. المثال على ذلك كان حيازة كمية اكبر من المسموح لها من المياه الثقيلة، والتخلي عن الفائض قبل وقت قصير من نشر اللجنة الدولية للطاقة الذرية تقريرها للمتابعة الدورية. ومع ذلك، من الواضح ان شيئا ما مهما جدا تغير بعد الاتفاق. ايران عادت لتكون جزءا من اسرة الشعوب، ومن المعقول انها على الاقل في السنوات القريبة القادمة ستكون حذرة من ان تعرض للخطر المكاسب التي تترافق وهذه المكانة. وضمن هذه الفرضيات، فان التحدي الاستخباري للعقد القادم هو الملاحظة في الوقت المناسب للتغييرات أو للبنود التي تخرج فيها ايران عن الاتفاق، ولاسيما كي لا نستيقظ متأخرين. التقدير، كما أسلفنا، هو أن ايران ستمتنع عن ذلك، وستركز على اعادة بناء الاقتصاد. وقد شهدت الانتخابات الاخيرة على أن الشعب الايراني يعطي تفويضا واضحا للرئيس روحاني ويؤمن بان بوسعه أن يستخدم الاتفاق النووي لاجل الرفاه الاقتصادي، ولكن خلف الزاوية - في 2017 – ستجرى الانتخابات للرئاسة، ونجاح أكبر مما ينبغي من شأنه ان يكلف روحاني كرسيه اذا ما شعر الزعيم الاعلى خامنئي بتهديد من جانبه، ونجاح اقل من شأنه أن يكلفه في الانتخابات اذا ما شعر الشعب بخيبة امل لان الوعود لم تتحقق (صحيح حتى اليوم النمو الاقتصادي اقل من المتوقع، وبالاساس نتيجة الانخفاض في اسعار النفط). وبالمناسبة، فان من يسخن المحركات في الاسابيع الاخيرة ويتسلى علنا بامكانية العودة الى مركز الساحة هو الرئيس السابق، احمدي نجاد، الذي يحق له الآن العودة للتنافس. القلق الاسرائيلي لا يتركز فقط في الموضوع النووي. فالانتقاد الاساس على الاتفاق يكمن في حقيقة أنه لا يعالج على الاطلاق المساعدة المكثفة التي تمنحها ايران لمحافل ارهابية مختلفة، وعلى رأسها "حزب الله"، "حماس" والثوار الحوثيون في اليمن. والى جانب التعاظم التقليدي الايراني، الذي يوجه في قسم منه الى مخازن منظمات الارهاب في المنطقة، وحقيقة أن الاتفاق – ولاسيما الحرب ضد "داعش"، يضعها في معسكر "الاخيار" تواصل ايران الترسخ بصفتها التهديد الاكبر، حتى وان لم يكن المباشر والفوري، على أمن اسرائيل. مصر: الاقتصاد أولاً في دولة يولد فيها طفل جديد في كل ست ثوانٍ، فان التحدي الاساس لمصر هو اقتصادي. اطعام اكثر من 80 مليون نسمة كل يوم. يبذل الرئيس السيسي جهودا جبارة، ناجحة في بعضها، لتحسين الاقتصاد وتعزيز النظام، وعليه فان التقديرات هي أن عوامل الاستقرار أكبر الآن من عناصر الاضطراب، ولكن هذا ايضا محدود الضمان؛ فقد شهدت مصر في السنوات الاخيرة ثورتين، وصبر الجمهور فيها قليل وقد ينفد مرة اخرى. التعلق المركزي لمصر اليوم هو بالسعودية، التي بقدر كبير تبقيها على الحياة من ناحية اقتصادية. الى جانب ذلك، وعلى خلفية خيبة املها الواضحة من الولايات المتحدة، فان مصر تتسكع مع جهات اخرى بينها روسيا وفرنسا، بحثا عن مساند دبلوماسية وعسكرية محتملة للمستقبل. ورغم هذه الميول، لم تغير مصر الاتجاه الاستراتيجي، ويحتمل أن تعود مع تغيير الادارة في واشنطن الى الجانب الأميركي. ترى مصر باسرائيل شريكا، وان كان هادئا، تتشارك معه المصالح فتستقر المنطقة. للدولتين تهديد مشترك فوري مزدوج: "حماس" في غزة وفرع "داعش" في سيناء، الذي يستند اساسا الى بدو محليين ويتحدى جدا الحكم بل يجبي منه ثمنا: بالارواح وبالمال، وبالاساس كنتيجة لفقدان المداخيل من السياحة. التقدير هو ان فرع سيناء في "داعش" يعد 500 – 1.000 مقاتل مسلحين جيدا (السلاح يأتي اساسا من ليبيا) وعلى خلفية التجربة القتالية التي راكموها في السنوات الاخيرة فانهم ينفذون عمليات مركبة ايضا. وفي صوره السابقة عمل التنظيم ضد اسرائيل – في العملية على طريق 12 وباطلاق الصواريخ على ايلات – اما اليوم فهو يركز على القوات المصرية اساسا، وتأتي اسرائيل بالنسبة لهم في المرحلة التالية. ومع ذلك فالخوف هو انه كلما اشتد الضغط على "داعش" في العراق وفي سورية، سيصعد التنظيم جهوده للعمل في ساحات اخرى – في الخارج وفي المنطقة ايضا. في مثل هذا الوضع، فان العملية ضد اسرائيل ستعتبر انجازا مهما؛ هذه ايضا هي الخلفية للحفاظ على التأهب الدائم في الحدود المصرية. يوظف الجيش المصري غير قليل من الجهود في حربه ضد "داعش"، ولكن نجاحه جزئي جدا. وينبع بعض ذلك من الابتعاد عن القاهرة: ما لا يهدد العاصمة يكون اقل الحاحا؛ قسم آخر ينبع من عدم التكيف مع القتال ضد الارهاب. كما ان هذه هي الخلفية لقرار اسرائيل السماح لمصر بادخال مزيد من القوات والوسائل الى سيناءن انطلاقا من الفهم بانه رغم أن هذا يعد فنيا خرقا لاتفاق السلام الا ان الحرب المصرية ضد الارهاب تعززه عمليا. السعودية: الاستقرار والأمل من ناحية السعودية، ينقسم العالم اليوم الى اثنين: من في جانب ايران، ومن ضدها. في هذا الامر، كل من يعمل ضد ايران، بما في ذلك اسرائيل، هو ذو مصالح مشتركة، وهكذا، فانه حليف محتمل. الملك الجديد، سلمان، باسناد ابنه الذي يتولى منصب وزير الدفاع، يتصدر بالتوازي فكرا فاعلا تقود فيه السعودية علنا المعسكر السني في العالم العربي. وكجزء من ذلك، بدأت السعودية تعمل في كل ساحات المعركة – في المساعدة لمصر ضد "حزب الله" في لبنان، في المشاركة في الحرب الاقلية في سورية وبالطبع ضد ايران، وبالاساس في كل ما يتعلق بتخفيض سعر النفط من اجل تأخير اعادة بناء اقتصاد طهران. هذا التموقع السعودي وضع اسرائيل ايضا في جانب السعودية وضدها ايضا. معها حيال ايران وفروعها، وضدها في كل ما يتعلق بالفلسطينيين. فالحكم في الرياض ملزم بان يدفع هذه الضريبة الكلامية ولكن من الصعب تفويت اصوات الخلفية: التركيز على المحور الفلسطيني سيعطي اسرائيل جملة فرص غير مسبوقة في المنطقة. للاردن علاقات مع اسرائيل، ومصادر قلق اكبر بكثير. فالتخوف الاساس هو من انتشار "داعش" الى المملكة وان كانت الخطوات الامنية التي اتخذها حتى الآن الاردنيون نجحت في احباط التهديد. والتحدي الموازي لحكم الملك هو الوضع الاقتصادي، التحدي الذي يتعاظم حيال مئات الاف اللاجئين الذين استوعبتهم المملكة من العراق ومن سورية. ورغم ذلك، فان الحكم في عمان مستقر، ولا يبدو في هذه اللحظة خطر عليه، ومن هنا ايضا لا يبدو أي تهديد فوري على اسرائيل من الشرق. تركيا: اردوغان يبحث عن اصدقاء اجتازت تركيا في السنوات الاخيرة تحولا: من صفر نزاعات مع الدول المجاورة، الى صفر دول مجاورة ليس معها نزاع. هذه هي خلفية جهود حكم اردوغان للتقرب مؤخرا من السعودية، وكذا من اسرائيل، بحثا عن حلفاء جدد واقوياء. في الساحة الداخلية يواصل اردوغان توسيع نفوذه، وهو قريب من استكمال سيطرته على اجهزة الحكم في تركيا. في الساحة الخارجية قلقة تركيا من "داعش"، واكثر من ذلك من الاكراد، وبالاساس من نقص نجاحها في القتال ضدهم بنجاعة، لان الاكراد هم رعايا واضحون للأميركيين، وبصفتهم هذه فانهم ايضا القوة البرية الاساس التي تستخدمها واشنطن في الحرب ضد "داعش". في البحث عن التحالفات تخفض تركيا النبرة، وتحاول ان تعرض نفسها أكثر تصالحا وودا؛ تجاه اوروبا وكذا تجاه اسرائيل. وكلما استمرت الحرب في سورية، واثارها تضر بتركيا ايضا، نتوقع أن نراها تخفف حدة المواقف، ولكن محظور علينا أن نتشوش: اردوغان لم يغير مواقفه، وخطواته ستكون مصلحية وبالتالي يجب أخذها بضمانة محدودة.