انفجار أم رسائل قوية؟

owkal rtalal
حجم الخط

حديث الانفجار على قطاع غزة أو منه لم ينقطع منذ وقوع عملية الباص في القدس، الأسبوع الماضي، نشأت المخاوف من وقوع عدوان إسرائيلي آخر مدمر على قطاع غزة، انطلاقاً من قراءة، تقوم على أن إسرائيل ستتخذ من تلك العملية التي تزامنت مع الإعلان عن اكتشاف نفق عابر للحدود شرق مدينة رفح، أن إسرائيل ستتخذ من ذلك ذريعة لشن عدوان كبير آخر على القطاع. لم تتوقف مخاوف سكان قطاع غزة، نظراً لأن إسرائيل تواصل التحريض حول شبكة الأنفاق وقدرات المقاومة، وبأنها مضطرة لتأجيل عدوانها المرتقب بسبب "أعياد الفصح". على أن هذه المخاوف، انفجرت على نحو واسع لدى سكان القطاع إثر تصريحات متزامنة أطلقتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، اللتان تحدثتا عن صعوبة الاستمرار في تحمّل مصائب الحصار الذي أقدمت إسرائيل على تشديده مؤخراً حين أوقفت تماماً تدفق الاسمنت ومواد البناء إلى القطاع. ربما كان الناس سيمرون مرور الكرام على تصريحات حركة حماس التي لم تتوقف عن إطلاق تصريحات مماثلة، لكن ما أثار كل هذه المخاوف هو التصريحات التي أدلت بها حركة الجهاد، المعروفة باقتصادها في إطلاق التصريحات النارية والتهديدات الصعبة. في الواقع ثمة تنسيق فاعل بين الحركتين، حيث سبق للقيادي في حركة حماس الدكتور محمود الزهار أن أعلن عن وجود مثل هذا التنسيق على مستوى عال بين الحركتين. تتساوق هذه الموجة من التصريحات الغاضبة مع مناخ عام سبق أن أشارت إليه مراراً مصادر دولية، وحتى إسرائيلية تنطوي على قدر من الجدية إزاء إمكانية انفجار الوضع في قطاع غزة بسبب التداعيات الصعبة والشاملة التي تنجم عن استمرار الحصار وتشديده واستمرار الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية. في محاولة لفحص احتمالات انفجار الأوضاع على جبهة قطاع غزة، سواء بمبادرة من المحتل الإسرائيلي أو من طرف فصائل المقاومة، فإن الاستنتاج الأقرب إلى الموضوعية لا يشير إلى اقتراب الأوضاع من الانفجار. لا يتعلق هذا الاستنتاج أبداً بتغيير في السياسة الإسرائيلية، التي تعبر عن الطبيعة العدوانية والعنصرية التي تميز إسرائيل بوضعيتها الراهنة التي يهيمن عليها اليمين الإسرائيلي الأشد تطرفاً، وإنما يتعلق بالتوقيت فقط. إسرائيل ليست اليوم في وضع يستدعيها لارتكاب عدوان ليس له ما يبرره، أولاً، ولا أهداف محددة له ثانياً. العلاقة بين إسرائيل والسلطة تمر بظروف حرجة بالنسبة للطرفين، خصوصاً بعد أن أقفلت إسرائيل الطريق على إمكانية تغيير دور الجيش في المناطق (أ) التي أعادت إسرائيل احتلالها خلال حملة السور الواقي العام 2002، الأمر الذي قد يدفع السلطة لتنفيذ بعض ما سبق أن اتخذته المؤسسات الفلسطينية من قرارات لجهة تغيير وظيفة السلطة ودورها، في العلاقة بإسرائيل. السلطة، أيضاً، تقوم بتحرك دولي وإقليمي واسع، أفضى إلى تحديد موعد انعقاد المؤتمر الدولي الذي تدعو إليه فرنسا في نهاية شهر أيار القادم، بحضور دولي وإقليمي واسع. فكرة المؤتمر أصلاً تقوم على عدم رضا المجتمع الدولي إزاء السياسة الإسرائيلية، الأمر الذي عكسته بوضوح شديد تصريحات جو بايدن نائب الرئيس الأميركي، الذي انتقد خلالها الموقف الإسرائيلي إزاء يهودية الدولة، وإزاء تقويض رؤية الدولتين، والذهاب إلى دولة يتفوق فيها الفلسطينيون عددياً على اليهود. في هذا المناخ، الذي يضاف إليه التحولات المرتقبة بعد التحرك السعودي الجدي تجاه مصر وتركيا، الواعد بزيادة الاهتمام، بالقضية الفلسطينية، لا تتوفر لإسرائيل الذرائع لشن عدوان قريب على القطاع يؤدي إلى توسيع دائرة النقد والاستنكار وتضخيم ملف جرائم الحرب الطافح أصلاً، على الطرف الآخر توحي تصريحات حماس والجهاد بأن ثمة استعداداً للتحدي، وثقة عالية بقدرة المقاومة، لكن هذه الايجاءات قد لا تكون كافية للاستنتاج بأن ثمة قرارا أو استعدادا لتحمل المسؤولية الناجمة عن المبادرة نحو تصعيد الأوضاع. تدرك الحركتان وكل من له علاقة أو اهتمام بالأمر، أن انفجار الأوضاع سواء بمبادرة فلسطينية أو إسرائيلية، لا يضمن تغيير الواقع القائم الذي يميزه الحصار، فلقد انتهت العدوانات الثلاثة السابقة دون أن تنتهي الأمور إلى ما يتطلع إليه الفلسطينيون. فوق هذا فإن ثمة حساسية عالية إزاء، الموقف الشعبي الذي يرفض على نحو واضح، انفجار الأوضاع، الأمر الذي يكرر مشاهد الدمار الواسع، والثمن الباهظ الذي يدفعه الناس، دون أن يؤدي ذلك، إلى تغيير أوضاعهم. وبمراجعة المرحلة السابقة، لم يكن أي من الانفجارات قد وقع بمبادرة فلسطينية، أو حتى بناءً لذرائع قدمتها المقاومة. الأقرب إلى تفسير التصريحات النارية التي صدرت عن حركتي حماس والجهاد، هو أن ثمة خيبة أمل كبيرة إزاء إمكانية إقدام مصر على فتح معبر رفح بعد تحرك العلاقات إيجاباً بين حماس ومصر وإقدام إسرائيل على تشديد الحصار من خلال وقف تدفق مواد البناء الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل عملية إعادة الإعمار البطيئة أصلاً، ويلحق أضراراً بالغة بقطاع واسع من الناس. نحن إذاً أمام رسائل قوية، تصدر بمواصفات أكثر جدية، موجهة للمجتمع الدولي الذي عليه أن يسارع في الضغط على إسرائيل لتخفيف الحصار، وموجهة، أيضاً، إلى مصر التي يفترض أن الأوضاع المتفجرة في القطاع، ستدعوها لفتح معبر رفح المغلق منذ أكثر من ثلاثة أشهر منذ آخر مرة تم فتحه بصورة محدودة.