مظهر جديد وغير معتاد بدا في الايام الاخيرة على حدود غزة – سيناء حيث يسير كثير من المقاتلين في حركة حماس على طول الحدود مع مصر ويتواجدون في حواجز ونقاط تفتيش. هذا النشاط هو نتيجة تفاهمات بين ممثلي «حماس» برئاسة محمود الزهار وبين المخابرات المصرية في لقاء تم في شهر آذار من اجل تهدئة الغضب المصري ضد حركة حماس وازالة تهمة التعرض لحياة المدعي العام هشام بركات في حزيران 2015. قضية القتل والاعلان المصري الرسمي الذي ألقى المسؤولية على «حماس»، عملا على قطع العلاقة بشكل كامل، الامر الذي كان سيؤدي الى عدم قدرة «حماس» على الاستمرار في ادارة القطاع. «حماس» ومصر لا تكشفان تفاصيل الاتفاق. ولكن من الواضح أن مصر قد قررت أن تمنح «حماس» «فرصة اخرى» مع قائمة من المطالب أصعبها الطلب من «حماس» الانفصال عن حركة الاخوان المسلمين. صحيح أن القرار المصري لا ينفصل عن جهود السعودية لاقامة تحالف اسلامي سني ضد ايران، ستكون لمشاركة «حماس» فيه أهمية رمزية، لكنه سيخدم المصالح المصرية. حسب التقارير الواردة من قطاع غزة ومصر فان «حماس» قدمت وثائق لمصر تثبت أنه لم تعد لها صلة بالاخوان المسلمين. ومتحدثو الحركة رفيعو المستوى يكلفون أنفسهم عناء توضيح الفصل بين «حماس» والاخوان المسلمين في وسائل الاعلام العربية. المتحدث بلسان «حماس» سامي أبو زهري، أعلن في نهاية آذار أن «حماس» فتحت صفحة جديدة في علاقتها مع مصر. «لن نسمح بالمس بأمن مصر»، قال، «صحيح أننا نرتبط فكريا مع الاخوان المسلمين، ولكن من الناحية الهرمية والتنظيمية والبنيوية لا توجد أي صلة بين (حماس) وبين الاخوان المسلمين في مصر. نحن حركة فلسطينية خالصة ولا نعمل من اجل أي منظمة أو حركة». لكن مصر التي تطلب «حماس» منها فتح معبر رفح والكف عن اغراق الانفاق بالمياه، تنتظر اجراءات عملية مثل المعلومات الاستخبارية حول التعاون بين كتائب عز الدين القسام وبين المنظمات الجهادية في سيناء. ويبدو أن «حماس» قد اتخذت قرارا صعبا في هذا الموضوع ايضا. وقد جاء مؤخرا أن «حماس» «تنصلت» من نشيطين رفيعي المستوى في كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لـ»حماس». وقامت بابلاغ مصر عن انضمامهما لتنظيم «داعش» في سيناء. يبدو أن هذه اشارات أولية على القرار الاستراتيجي المهم الذي يتعلق بالانفصال عن التأثير الايراني والانضمام بشكل نهائي الى «الحضن العربي». وليس هناك يقين حول موقف عز الدين القسام الذي يعمل احيانا كذراع مستقلة رغم خضوعه للمستوى السياسي. إن الاتفاق بين القاهرة و»حماس» يمنح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي القدرة على التأثير في اللعب بين «حماس» واسرائيل. مصدر دبلوماسي عربي قال في هذا الاسبوع للصحيفة إنه تمت بين مصر واسرائيل في هذا الاسبوع محادثات للتأكد من أن اسرائيل لا تريد مواجهة اخرى في غزة في أعقاب الكشف عن نفق «حماس». ومصر حسب الدبلوماسي نقلت رسائل الى اسرائيل تفيد بأنها ستستمر في منع حفر الانفاق. وقد رفضت اسرائيل التطرق الى هذا النقاش ولم تؤكد أن الطائرات الاسرائيلية بدون طيار تعمل داخل سيناء كجزء من الحرب المشتركة مع مصر ضد «داعش». في الوقت الذي يستطيع فيه المصريون التوصل الى تفاهمات مع المكتب السياسي لـ»حماس» والقيادة في غزة، فان «داعش» في سيناء أو ما يسمى ولاية سيناء، هو قصة مختلفة تماما. العمليتان الكبيرتان الاخيرتان في شهر آذار اللتان قتل فيهما ثلاثة ضباط من الشرطة و18 جنديا في حاجزين قرب العريش، أظهرتا أن الحرب بعيدة عن نهايتها. صحيح أن «داعش» قد تلقى ضربات قوية من سلاح الجو المصري، والضربات البرية التي أصبحت ناجعة أكثر، وايضا الحاق الضرر بشبكات الاتصال للتنظيم حيث يضطر نشطاء «داعش» الى الاعتماد على الشبكات الاجتماعية والرسائل الالكترونية. وفي المناطق الجبلية في سيناء حيث شبكة الانترنت ضعيفة هناك صعوبة كبيرة في الاتصال عند «داعش». مع ذلك، ما زال في استطاعة التنظيم الحفاظ على خطوطه اللوجستية، لاسيما في منطقة الشيخ زويد ومشارف العريش. وتقول شخصيات مصرية رفيعة المستوى إن التنظيم يحاول توسيع صفوفه وضم منظمات من القاعدة والحركة السلفية الجهادية لاقامة جبهة موحدة. ويجري «داعش» ايضا اتصالات مكثفة مع النشطاء في القطاع بواسطة شادي المنيعي الموجود في غزة. في شهر كانون الاول 2015 قيل إن المنيعي قتل في القصف، لكن وزير الداخلية المصري قال في شهر آذار إنه ليس هناك برهان على ذلك. إن «حماس» تنفي وجود أي نشاط لـ»داعش» في غزة وهي تقول للمصريين إنها تبذل قصارى جهدها لمنع ذلك. لكن المصريين قدموا لوفد «حماس» أدلة على تلقي اشخاص من «داعش» تدريبات عسكرية في غزة وأن أحد مراكز قوة دعم «داعش» هو «جيش الاسلام» برئاسة ممتاز دغمش. دغمش هو ابن لعائلة كبيرة في غزة ولديه تاريخ معروف من النشاط العسكري ولاسيما الانتقال من منظمة الى منظمة. وتشمل سيرته الذاتية الانضمام ايضا الى الامن الوقائي التابع لـ «م.ت.ف» اثناء فترة محمد دحلان في غزة. وبعد ذلك انضم لـ»حماس» وانفصل عنها وقام بقيادة اللجان الشعبية. علاقته العسكرية هي مع كتائب عز الدين القسام، لكنه لا ينتمي رسميا للمنظمة. وحسب مصادر فلسطينية مؤيدة لـ»فتح»، فان جيش الاسلام برئاسة دغمش هو منظمة تعمل حسب أوامر عز الدين القسام، اضافة الى «داعش». وهكذا تستطيع «حماس» التملص من المسؤولية عن افعال «داعش». الراسية الثالثة والاهم الى جانب جيش الاسلام والتيارات السلفية الجهادية في غزة التي يعتمد عليها «داعش» في سيناء، هم ابناء القبائل البدوية الذين يقدمون البنية اللوجستية ومنهم من انضم لصفوف «داعش». في الاسابيع الاخيرة، في اعقاب موت عدد من أبناء القبائل بسبب القصف الجوي المصري، حذر رؤساء القبائل الحكومة المصرية من أن الغضب بسبب هذا القصف قد يؤدي الى تجند كبير للبدو في صفوف «داعش». الحكومة المصرية التي تحاول منذ سنوات اقناع رؤساء القبائل بالتعاون ضد «داعش»، نجحت حتى الآن جزئيا في اقامة تحالفات مع القبائل التي تنتظر خطة اقتصادية تمنحها اماكن العمل وتشكل البديل لما يقترحه «داعش». في الوقت الحالي ورغم الوعود الكثيرة، فان الادارة المصرية تقدم أوراق العمل فقط. ويبدو أنه بعد تعهد السعودية لمنح قرض بقيمة مليار ونصف دولار لتطوير شمال سيناء، فان شيئا ما سيتحرك، لكن البدو الذي يعرفون الوعود الكاذبة جيدا لا يتوقفون عن التنفس. وفي ظل غياب خطة شاملة لتطوير سيناء، فان الحكومة تعتمد على رؤساء القبائل وتتبع طريقة العصا والجزرة على المستوى الشخصي. ومن اجل افشال عملية التجند للمخابرات المصرية في اوساط البدو، قام «داعش» بنشر أفلام في سيناء تعرض التدريبات والنجاحات في المعركة وتشمل اشخاصا يتحدثون بلغة أبناء القبائل في شمال سيناء. إن تطوير سيناء هو ضرورة انسانية واقتصادية، وقد أصبح الآن ضرورة استراتيجية. وبدون ذلك لا يمكن خوض حرب ناجعة ضد التنظيمات الارهابية في سيناء. في هذه الحرب لا توجد حلول سحرية، لكن اذا تمكنت «حماس» من فصل «داعش» – سيناء عن القطاع فيمكنها طلب مقابل مناسب مثل فتح معبر رفح وتأييد انشاء الميناء والاعتراف بحكمها.