تحتفل إسرائيل هذه الأيام بعيد الفصح الذي ترى فيه عيدا للتحرر من العبودية ويوما للانعتاق والخروج من مصر. وتمثل الاحتفالات بهذا العيد في ظل الهيمنة اليمينية المتزايدة على مناحي الحياة العامة في الدولة العبرية نموذجا فظا للمفارقات. فعيد الحرية يعني، في واقع الحال، تزايد المخاوف من قيام المظلومين الفلسطينيين تحت الاحتلال بالتمرد على واقعهم والصدام مع الإسرائيليين. وعيد الحرية الذي يخرج فيه الإسرائيليون بجموعهم للتنزه والسياحة في أنحاء العالم يوفر فرصة للاصطدام بما تكتنزه الذاكرة العامة من تناقضات.
ومن شبه المؤكد أن الأحداث الأخيرة وتجليات العنصرية التي تبدت في مسائل الفصل في المستشفيات بين الولادات العربية واليهودية وإقدام جندي على إطلاق النار على رأس مصاب فلسطيني في الخليل توفر نوعا من المرآة كي يرى الإسرائيليون فيها حقيقة أنفسهم. صحيح أن هناك من يكابر ويدعي أن مثل هذه الأفعال لا تعبر لا عن روح اليهودية ولا عن طبيعة الصهيونية ولكن الأغلبية، وفق استطلاعات الرأي، لا يجادلون في هذا النفاق ويقفون صراحة إلى جانب العنصريين باعتبارهم ممثلين حقيقيين عما يدور في قرارة أنفسهم.
وهكذا، فإن «الجيش الأكثر أخلاقية في العالم» لم يفلح في إبقاء الجندي القاتل الذي اتهمه وزير الدفاع موشي يعلون بـ «البهيمية» قيد الاحتجاز في معسكر للجيش وسمح له بالخروج لقضاء عطلة عيد الفصح مع أهله في بيته. وطبعا فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، تذكر أنه «والد جندي» فطالب المحكمة العسكرية بأن تأخذ بالحسبان الظروف المحيطة بالجندي رغم اتضاح أنه يؤيد أفكار اليمين المتشدد.
ويختلف الإسرائيليون فيما بينهم في تشخيص حالة المفارقة هذه القائمة حاليا في المجتمع والمؤسسة الإسرائيلية. وهكذا فإن البروفيسور تشيلو روزنبرغ يكتب في «معاريف» تحت عنوان «الاندفاع نحو الهاوية» أن «المجتمع الاسرائيلي يقف على شفا هاوية. فالجنون الوطني بلغ أحجاما مخيفة. القطيع فر، ضل في طرق ملتوية، والرعاة مرتاحون في نومهم. الى الجحيم بكل شيء، على أن يكون الخير للرعاة. ولكن قطيعا بلا راع هو خطير جدا. ما يرتسم امام ناظرينا ليس سوى فوضى بكل معنى الكلمة. صحيح، حتى للفوضى قانون خاص بها، غير أن في نهاياتها لا ينتظرنا أمل بل دمار، دم وكرب. وضعنا اليوم ليس بعيدا على الاطلاق عن وضع المجتمع اليهودي عشية خراب الهيكل الثاني. المتطرفون يقررون النبرة».
كما أن كبير كتاب التحقيقات في «هآرتس»، آري شافيت كتب عن الواقع الذي يزداد اشتعالا بفضل استمرار الاحتلال والابتعاد عن حل الدولتين. واعتبر أن تفجير الحافلة في القدس مؤخرا أشار إلى المستقبل الذي ينتظر إسرائيل إذا استمر الاحتلال. وتساءل: «هل أنتم خائفون من حماس والقاعدة وداعش؟ اسرائيل تعرف كيف تضرب المنظمات الموجودة خارج اراضيها، لكنها تكون مكشوفة ومعرضة للاصابة اذا ضربت حماس أو القاعدة أو داعش جذورها في التجمعات السكانية للضفة الغربية، وتبدأ باحراق الدولة من الداخل. هل تريدون قوة؟ دولة بدون حدود تسيطر على شعب يعارض مبدأ وجودها. إنها دولة تضعف بشكل خطير. تريدون أمن؟ والسيطرة على ملايين الفلسطينيين المقموعين والمحبطين ويكرهون مستقبلها ويزعزعون الامن القومي والامن الشخصي. لا يمكن أن يكون وضع الدولة الواحدة هو وضع استقرار وهدوء. وضع الدولة الواحدة يحمل في طياته الكارثة».
ولكن، كما هو واضح من مقالة ألون بن دافيد أدناه، ليست الصورة تماما على هذا النحو الكئيب. فهو يلحظ أن إسرائيل اليوم باتت أقل تعرضا للمخاطر الوجودية من أي وقت سبق موضحا أن المنطقة العربية تتفكك وأن الجيش السوري الذي كان يمثل الخطر الأساسي على إسرائيل تبخر. ومع ذلك فإن بن دافيد يرى أن الحل بيد إسرائيل التي يمكنها عبر خطوات تقدم عليها أن تحول دون صدام مع حماس في غزة. ومعروف أن كثيرين في إسرائيل وفي العالم يرون أن الصدام مع حماس قد يفتح الباب أمام مواجهة شاملة في المنطقة.
في كل حال ورغم وثوق الإسرائيليين بأنفسهم وبحلفائهم الأميركيين فإن خريطة العداء وإن تغيرت لا تزال تحمل في ثناياها مخاطر جدية على الدولة العبرية. وبحسب المعلق العسكري في «إسرائيل اليوم»، يؤآف ليمور فإن الخطر على إسرائيل يأتي من أربع جبهات: فلسطينية وعربية وإيرانية ودولية. وفي نظره فإن «أنفاق في غزة، موجة ارهاب في الضفة، عمليات داعش والحرب الاهلية في سوريا، تعاظم حزب الله ومستقبل المشروع النووي في ايران، استقرار الحكم في مصر وفي الاردن، كل هذه هي فقط بعض من التحديات التي ترافق في السنوات الاخيرة الشرق الاوسط، واسرائيل، والتي تجمع بينها ميزة بارزة للغاية هي انعدام اليقين».
ويولي ليمور أهمية كبيرة لما يجري في غزة وواقع الردع الإسرائيلي الهش وفي الضفة الغربية حيث اليأس والبحث عن وريث للزعامة. ولكن الخطر الأساس في نظره هو ذلك القائم في سوريا واحتمال عودتها لتلعب دورها كدولة في المنطقة. ولكن انعدام التسوية لا يمنع مستقبلا قيام بعض المنظمات هناك من توجيه سلاحها ضد إسرائيل رغم عدم وجود ملامح لذلك حاليا. ويرى أن إسرائيل في أي تسوية للأزمة السورية ستطالب بتقليص إمكانية تعزيز قدرات الجيش السوري ومحاولة ضمان استمرار الهدوء على هضبة الجولان. ومع ذلك فإن حزب الله يمثل عنصر قلق كبير لإسرائيل بوصفه «درع لبنان» الذي أفلح في تعظيم قدراته وقوته العسكرية. ولا يقل أهمية عن ذلك استمرار الخطر الإيراني واحتمالات تضعضع الأوضاع في مصر والأردن رغم الأمل في التحالف مع السعودية على خلفية عدائها لإيران.