في المنطقة التي نعيش فيها ما يبدو مضموناً وثابتاً ودائماً يمكن فجأة أن تتغير صورته ويتحول إلى مصدر للقلق يثير ذكريات مخاوف قديمة من التاريخ غير البعيد. هذا تحديداً ما يجري الآن بعد توقيع الاتفاق الجديد بين مصر والسعودية، والذي في إطاره قررت الدولتان بناء جسر يربط شبه جزيرة سيناء بالسعودية. ومغزى هذا القرار هو أن تعيد مصر إلى السعودية جزيرتي تيران وصنافير اللتين تسيطران على معابر الملاحة البحرية في مضائق تيران وخليج العقبة. سمح اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل العائد إلى سنة 1979 لإسرائيل بأن تتنفس أخيراً الصعداء، بعد أن عانت سفنها أعواماً طويلة من القيود والعوائق المفروضة على حركتها في مضائق تيران وخليج العقبة. كما أن مساس مصر بحرية ملاحة إسرائيل في مضائق تيران وخليج العقبة كان من بين الأسباب الأساسية لنشوب «حرب الأيام الستة». لا غرابة والحال كذلك في أن تشكل التعهدات المصرية بحرية الملاحة، التي تظهر في اتفاقية السلام والمدعومة بمذكرة اتفاق أميركية، دعامة أساسية في ضمان استقرار السلام بين إسرائيل ومصر. ما لا شك فيه أن الاتفاق مع السعودية ينطوي على فوائد اقتصادية بالنسبة لمصر، ويمكن أن يساهم في تعزيز الاستقرار داخل مصر، وبهذا المعنى ستكون له انعكاسات إيجابية من ناحية إسرائيل. ومن الواضح أن الاتفاق سيسهل الطريق أيضاً على المواطنين المصريين الراغبين في الحج إلى مكة. لكن، في ما يتعلق بالتقيد بالالتزام بحرية العبور في مضائق تيران وخليج العقبة، فإن الاتفاق الجديد بين مصر والسعودية ينطوي على تعقيدات قانونية وسياسية معينة، وذلك بعد أن تنتقل جزيرتا تيران وصنافير، اللتان تقعان من الناحية الاستراتيجية وسط المضيق، إلى السيطرة السعودية. هنا يطرح السؤال: ما هي الصلاحية القانونية للالتزامات المصرية حيال إسرائيل؟ انتقلت جزيرتا تيران وصنافير في خمسينيات القرن العشرين من السيادة السعودية إلى السيطرة المصرية كي تستخدمهما مصر لمنع الملاحة إلى إسرائيل ومنها. وعندما سيطرت إسرائيل على شبه جزيرة سيناء في 1967، احتلت هاتين الجزيرتين بسبب أهمية موقعهما الاستراتيجي في ضمان حرية الملاحة. بعد التعهدات المصرية التي نصت عليها اتفاقية السلام والدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لها، وافقت إسرائيل على إعادة الجزيرتين إلى السيطرة المصرية شرط اعتبار أنهما تنتميان إلى «منطقة ج»، وأن ينتشر فيهما مراقبون مدنيون وأفراد من الرقابة الدولية وافق الطرفان عليهم. ليس في وسع أحد الاعتراض على أنه من زاوية القانون الدولي، فإن مصر تملك حقوق السيادة الكاملة للتوقيع على أي اتفاق تريده، بما في ذلك مع السعودية. لكن، في المقابل، هناك التزامات مصرية في اتفاق السلام مع إسرائيل تفرض عدم الدخول في التزامات يتعارض مضمونها مع اتفاقية السلام. ويبدو أنه انطلاقاً من معرفة مصر بذلك، ووفقاً لما تفرضه علاقات السلام والجوار بين الدولتين، أشركت مصر إسرائيل فيما يتعلق بخططها لنقل الجزيرتين إلى السعودية، ولكن ليس واضحاً إذا ما كانت، باستثناء إشعار الجهات الإسرائيلية بأن الاتفاق سيبرم، جرت اتصالات حقيقية بين إسرائيل ومصر تتعلق بتفاصيل المسائل الأمنية والقانونية والعملية التي ستنشأ بعد تولي السعودية تطبيق التعهدات الأساسية في اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وخاصة في ضوء حقيقة أن السعودية غير ملزمة بأي شيء حيال إسرائيل، وهي تعتبرها عدوة لها. ليس واضحاً أيضاً إذا ما كان جرى درس انعكاسات انفتاح شبه جزيرة سيناء على تأثير ووجود عناصر سعودية راديكالية من التيار الوهابي الإسلامي المتشدد، مع كل ما يترتب على ذلك. ثمة مسألة أخرى، وهي إذا ما كان قد أخذ في الاعتبار عدم الاستقرار الذي يسود منطقتنا، وخطر حدوث تطورات مستقبلية يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في التوجه السعودي - الأمر الذي سيؤثر حتماً على وضع إسرائيل الاستراتيجي. وقد تزايدت هذه المخاوف بعد اعلان وزير الخارجية السعودي في مؤتمر صحافي في القاهرة أن بلاده لن تتعاون مع إسرائيل بعد انتقال الجزيرتين إلى سيطرتها، ولن يكون هناك تنسيق بين الطرفين. ولكن على الرغم من ذلك، أشار إلى أن السعودية تلتزم بجميع الاتفاقات الدولية التي وقعتها مصر، وأنها ستحترم جميع التعهدات الواردة فيها، وليس واضحاً هل تعهدات السعودية هذه واردة في الاتفاق بينها وبين مصر. غني عن القول إن هذه مسألة مهمة بالنسبة لإسرائيل، وينبغي على الأطراف المكلفين بالعلاقات الخارجية والأمن دراسة انعكاسات الاتفاق بين مصر والسعودية. ومن الجيد لو استطعنا افتراض أن جميع هذه الاعتبارات والانعكاسات للاتفاق فُحصت في العمق من جانب جهات مسؤولة في إسرائيل. عن «هآرتس» *سفير إسرائيل سابقاً في كندا، شارك في المفاوضات مع مصر وفي صياغة اتفاق السلام معها، ويعمل حالياً مدير معهد الدبلوماسية العامة في مركز القدس للشؤون العامة.