لو لم تخرج السعودية من «رؤيتها 2030»، التي أعلنت أمس، إلا بالتخلص من حالة «الإدمان النفطية»، وهو التعبير الذي اختاره ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في حديثه لقناة «العربية» أمس، لكان ذلك كافيًا في أن يكون حدثًا تاريخيًا ليس للاقتصاد السعودي فحسب؛ بل للدولة بأكملها، فإذا أضفنا أن الرجل الثالث في السعودية فاجأ مواطنيه بأكثر من ذلك، وأعلن أن بلادهم تستطيع العيش في عام 2020 من دون نفط، وهي المفاجأة التي لم تكن متوقعة بتاتًا لدى السعوديين، فإننا أمام رؤية تطرح إصلاحًا حقيقيًا يغير من شكل السعودية مستقبلاً، وينوع من موارد اقتصادها، ويحرره ويصلحه، ويحدّ من الاعتماد على دخل النفط بشكل تدريجي. في النهاية سيكون الهدف بعد انطلاقة السعودية الجديدة، وفق ما قاله العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، أن تكون المملكة «أنموذجًا للعالم على جميع المستويات».
من الواضح أن الإصلاح السعودي في شكله الجديد لن يبقى حبرًا على ورق، كما لن يكون بالإمكان الانتظار سنوات حتى يفاجأ السعوديون بما إذا كانت رؤيتهم ناجحة أم غير ذلك، فآلية التنفيذ والقياس تمر بإجراءات صارمة، ولن يُسمح للسلطة التنفيذية بالتقاعس في تنفيذها. فعلاً ستكون مهمة صعبة وبالغة التعقيد أمام كل مسؤول منوط به تنفيذ اختصاصاته، لكن ليس أمامه إلا قبول التحدي والمضي بما هو مطلوب منه، أما من يتأخر، فالقطار ماضٍ، ومن المستحيل عليه حتى الركوب في العربة الأخيرة.
هناك كثير من التحديات المتراكمة التي تواجه السعودية، ولا شك في أن إصلاح عجلة قاطرة الاقتصاد سيكون انعكاسه مهولاً، سواء من الناحية المجتمعية، أو حتى السياسية، فقد ثبت أن المواطن العربي عمومًا همه أولاً وثانيًا وثالثًا وعاشرًا، الاحتياجات المعيشية، ومتى ما توفرت له بالشكل الذي يليق به، فإن باقي الأمور يصبح من باب الترف وليس الضرورة، مع التأكيد أن تأخر السعودية في مواجهة تلك التحديات لن يعمقها فحسب، بل سيضاعف تكاليف إصلاحها، ويستنزف مقدرات الدولة، ويفوّت استغلال الفرص لتتبوأ مركزًا واعدًا بين دول العالم. لذا ليس أمام الحكومة السعودية إلا العمل على مواجهة تلك التحديات من خلال «رؤيتها 2030»، وسيكون أمام السلطة التنفيذية السعودية تحدٍ حقيقي في ترجمة هذه الرؤية لخطط تنعكس على متطلبات المواطنين السعوديين. وفي تقديري أن ذلك سيتم من خلال 4 أهداف مرحلية؛ أولها تحسين مستوى المعيشة وزيادة نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي، وثانيها رفع مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، وثالثها رفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطن من تعليم وصحة وخدمات اجتماعية، ورابعها رفع كفاءة الإدارة الحكومية وتطويرها بشريًا وفنيًا.
هذه أول مرة في السعودية يتم فيها تقديم رؤية تنموية متكاملة تخلص الدولة من مشكلاتها المتأزمة، ويمكن القول إن طرح المشروع جاء في الوقت المناسب؛ إذ يحتاج الناس إلى رؤية اقتصادية تدلهم على المسار الصحيح، بدلاً من الانتظار طويلاً دون وجود خريطة طريق تزيل العوائق وتحدد الأهداف وتكتشف الفرص. الهدف من أي إصلاح في العالم هو المواطن، فأي تنمية لا يكون المواطن هدفها وغايتها، لا فائدة منها، ولا أحد يريدها، ويستحيل تطبيقها أو نجاحها.
عن الشرق الاوسط