بثبات وروية تتابع حركة «وطنيون لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة» خطواتها نحو توليد حالة من الضغط الشعبي لإشعار طرفي الانقسام بما ينبغي عليهما الإقدام عليه بدون المزيد من التسويف وإضاعة الوقت. الحركة التي بدأت في قطاع غزة قبل نحو ستة أشهر، حققت استجابة سريعة موازية في الضفة الغربية، وهي بصدد استكمال نشاطها نحو أن تتحول إلى ظاهرة وطنية تشمل بالإضافة إلى الأراضي المحتلة مناطق الشتات الفلسطيني. الانتشار السريع للفكرة، وسط جمهور فلسطيني متعطش لرؤية التغيير في المشهد الفلسطيني الوطني العام، وقد أصبح واقعأً ملموساً، ترك لدى بعض القوى الفلسطينية، شكوكاً لا مبرر لها، ربما تصل إلى حد الاستفزاز، والاستعداد للتعامل مع هذه الظاهرة، بروح سلبية، وإجراءات غير مقبولة. من المناسب التأكيد على أن هذه الظاهرة تتميز بالتعددية، إذ انها تشمل شخصيات ذات قناعات وآراء ومواقف وأصول مختلفة من اقصى اليسار الى اقصى اليمين، ولذلك فإنها اولاً تقدم ذاتها كتجربة حقيقية لتنفيذ مبدأ الشراكة والتعددية والاعتراف بالآخر، وإعلاء المصالح الوطنية على المواقف والحسابات الخاصة. هذه الظاهرة لا تقوم على فكرة إنشاء حزب سياسي أو فصيل جديد أو حتى ظاهرة يحرص القائمون عليها على استمرارها وتأصيل وجودها وحضورها في ميدان العمل السياسي الفلسطيني. هي ظاهرة مؤقتة، ومحدودة الهدف، وهي أقرب إلى جماعة الضغط التي سينتهي وجودها مباشرة وفوراً بعد أن يتحقق اتفاق مصالحة حقيقي بين طرفي الانقسام، وهو الهدف الوحيد الذي تسجله هذه الظاهرة لنفسها. حركة «وطنيون لإنهاء الانقسام» تجنبت من البداية وتتجنب البحث في برنامج سياسي او حتى في اية قضايا ومواقف تفصيلية او تقديم مقترحات وآليات عدا عن التأكيد على ضرورة توفير إرادة وطنية جامعة لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين طرفي الانقسام، أو حتى لو أنهما ذهبا عبر الحوار إلى اتفاق آخر فالمهم أن ينتهي الانقسام، وان يتجه الكل الوطني نحو استعادة الوحدة. وهذه الحركة لا تناصب أحداً العداء، أو السلبية، ولا تنحاز لطرف دون آخر، وتنأى بنفسها عن تحميل المسؤولية عن تعطيل المصالحة لهذا الطرف أو ذاك، وهي مستعدة للدخول في حوار إيجابي بناء مع كل الأطراف، بما يخدم تحقيق الهدف. ولتحقيق الهدف ينبغي أن تدرك الدوائر السياسية والامنية الفلسطينية في غزة والضفة، ان هذه الحركة تلتزم أساليب العمل الديمقراطي السلمي، وتلتزم القانون حتى لو أن هذه السلطات تتعامل مع القانون بانتقائية ومزاجية، وبما يخدم رؤاها، ومصالحها وشكوكها الأمنية المبالغ بها وغير المستندة الى معطيات صحيحة. هي ليست حركة تمرد ولا تسعى حتى لو امتلكت القدرة على الإطاحة بأي سلطة، أو تغيير في الواقع القائم، إلاّ فيما يخص ضرورة تغيير ومغادرة واقع الانقسام الفلسطيني المدمر الذي طال أمده ولم تعد الجماهير تحتمل خسارة المزيد من الوقت مدفوع الثمن وطنياً. ينبغي أن تعيد السلطات النظر في تقديراتها وتحليلاتها لدوافع هذه الظاهرة والمنخرطين في اطارها، بما يستوجب التعامل معها بإيجابية مطلقة، هذا اذا كانت هذه السلطات تعكس سياسات حقيقية ترفض استمرار واقع الانقسام، والا فإن استمرار الحذر والتصرف على أساس الشكوك، سيعني أن هذه السلطات مرتاحة لواقع الانقسام، وتدافع عن استمراره. منذ البداية طرحت الفكرة على كل الفصائل، لا للتوضيح فقط وإنما لدعوتها للانخراط فردياً، ولضمان مشاركتها في الفعل الإيجابي ومن خرج عن هذا الإطار من الفصائل وهي محدودة جداً قد خرج بقرار منه، وانطلاقاً من قراءة تقوم على الشك والتشكيك. من المفيد الإشارة إلى المشككين والمتشككين، ان القائمين على هذا الجهد الوطني الخالص، في غالبيتهم، كانوا قياديين أو كوادر وأعضاء في فصائل وطنية موجودة، ولكنهم غادروها كل لأسبابه، التي ليس من بينهما انهم متهمون بفساد، او شبهة. كل هؤلاء تقريباً، يعلنون ويكررون الإعلان عن ان مسؤولية وقوع واستمرار الانقسام كل هذا الوقت، لا تقع فقط على حركتي فتح وحماس اللتين تتحملان المسؤولية الرئيسية، وإنما تتحمل الفصائل الأخرى المسؤولية عن واقع عجزها عن منع أو المساهمة الفعالة في إنهاء الانقسام. وعلى نحو موضوعي ولمن لا تسعفه قدراته الفكرية على معرفة ظروف ونشوء أحزاب سياسية جديدة، فإن نشوء مثل هذه الظواهر عندنا وعند غيرنا لها شروط موضوعية وذاتية لا تتوفر في الواقع السياسي الفلسطيني الراهن، أو من غير المتوقع أن تتوفر في المدى المنظور. الساحة مكتظة بالفصائل وكل انواع البرامج، والأيديولوجيات ومكتظة بالقيادات والكوادر، بما لا يفسح المجال لجديد ينطوي على قدر من الأهمية، ومن يرغب في تقديم جديد سيجده متوفراً عن فصيل موجود على ارض الواقع. ربما من المناسب ان نشير الى ان الدافعية الوطنية هي التي تقف وراء هذه الظاهرة، ذلك انه يعز على الكثير من المناضلين ان يلتزموا السلبية وان يخلدوا الى الراحة، فيما هم قادرون على التواصل مع هموم شعبهم والتفاعل قدر الإمكان مع كل من يلتزم الوطنية الفلسطينية ويعليها على مصالح فصيله أو مصالحه الشخصية. هذه دعوة للمشككين والسلبيين لكي يحسنوا قراءة الأمور بعيداً عن ضغط العصبوية واحترافية الأمن.