مفاعـل ديمونـا: معضلــة إسـرائيـل الإسـتراتيجـيـة

20162704212607
حجم الخط

ساعة الحقيقة في السياسة النووية لاسرائيل تقترب. فنبأ حاييم لفنسون في «هآرتس»، أول من أمس، عن العلل التي تبينت في لباب المفاعل النووي في ديمونا تكشف ذلك. لا يدور الحديث عن علل يمكنها ان تتطور لتصبح صدوعا كبيرة، تتسبب بانفلات اشعاع نووي من المفاعل وتعرض للخطر السكان والبيئة. بل يدور الحديث عن علل كانت متوقعة بسبب عمر المفاعل. فمنذ العام 2004 كشف كاتب هذه السطور، في يوم دراسي في جامعة بن غوريون في بئر السبع عقدته لجنة الطاقة الذرية، المسؤولة عن المفاعل في ديمونا، اعتراف كبار مسؤوليها بانهم يجدون صعوبة في رفع مستوى أمان المفاعل. ان المفاعل الذي اشترته اسرائيل من فرنسا بدأ العمل في العام 1963. وحسب مواصفات المنتج، فان مدى عمر المفاعلات من نوعه هو نحو 40 سنة. في حينه، في اليوم الدراسي قبل 13 سنة، روى مدير عام لجنة الطاقة الذرية، جدعون فرانك، بانهم في الولايات المتحدة طوروا اساليب تسمح باطالة عمر المفاعلات بنحو 20 سنة اخرى. ولكن في نهاية الامر فان لباب المفاعل المصنوع من المعدن والمغلف بالاسمنت السميك والمسلح، والذي يخلق القبة التي تبدو من مسافات بعيدة، لا يمكن استبداله، مثلما لا يمكن اصلاح ثقب في حمام شمسي يسرب الماء. المفاعل في ديمونا بات ابن 53، وقد تلقى ويتلقى علاجا «مضادا للشيخوخة» هو الاكثر تقدما في العالم. والسؤال هو الى متى؟ اذا ما استندنا الى اقوال فرانك في ذلك اليوم الدراسي، فقد تبقى للمفاعل سبع سنين فقط من العمر. وبالتالي فلن يكون مفر عندها من تعطيله. يدور الحديث عن اضطرار تكنولوجي ينطوي على معضلة استراتيجية هي الاعلى مستوى.  فالمفاعل الذي اشترته اسرائيل من فرنسا، حسب منشورات اجنبية، كان بقوة 24 ميغا وات ويستهدف ظاهرا اغراض البحث. ولكن حسب تلك المنشورات، فقد زادت اسرائيل انتاجه الى 50 ميغا وات، وربما، حسب منشورات اخرى، اكثر من ذلك. وحسب المنشورات الاجنبية، تنتج اسرائيل في المفاعل اليورانيوم والبلوتونيوم، لتي هي المادة المشعة لتركيب السلاح النووي. وكان هذا، حسب تلك المنشورات، الهدف الاصلي للمبادرين، رجال الخيار النووي في قمة الحكم في اسرائيل – رئيس الوزراء دافيد بن غوريون ومساعديه شمعون بيريس وموشيه دايان. على هذه الخلفية نشبت خلافات في القيادة السياسية والعسكرية وكان هناك من عارضوا الخطوة مثل يغئال الون وفلاسفة مثل يشعياهو ليفوفيتش وعلماء نووي، بعضهم استقال من لجنة الطاقة الذرية. يد مؤيدي الخيار النووي تغلبت. وحسب تلك المنشورات فقد اعتقدوا بان السلاح النووي سيشكل اساس الردع الاسرائيلي، ويضمن وجود اسرائيل على مدى الاجيال. وبالتوازي، بلوروا ايضا سياسة الغموض النووي، التي لا تؤكد اذا كان لاسرائيل سلاح نووي، ولكنها ايضا لا تنفي. وحسب رأيي، فقد كانت سياسة الغموض من الابداعات الجريئة للاستراتيجية والسياسة الاسرائيلية، وقد أثبتت وتثبت نفسها. والدليل هو أنه لا تطالب أي من القوى العظمى اسرائيل بنزع السلاح النووي المنسوب لها، ولا تلاحقها كما لاحقت ايران مثلا، التي سعت فقط لتصل الى حافة السلاح النووي دون أن تركب قنبلة. ولكن سياسة الغموض تمنع اسرائيل ايضا من التوقيع على ميثاق منع نشر السلاح النووي، الذي يمنع ايضا تركيب مثل هذا السلاح. هذا هو الشرك الذي توجد فيه اسرائيل الان. ليس لاسرائيل القدرة والعتاد لبناء مفاعل نووي جديد. وهي بحاجة الى مساعدة من الخارج. واذا ما وقعت على الميثاق، ستتمكن من الحصول على مفاعلات نووية لاغراض البحث وانتاج الكهرباء، ولكنها ستكون مطالبة ايضا بان تعلن وتكشف عما لديها في الموضوع النووي والاحتكار المنسوب لها في ذلك في الشرق الاوسط. حسب منشورات اجنبية، ركبت اسرائيل في سنوات نشاط المفاعل نحو مئتي قنبلة نووية من كل الانواع والاحجام ووسائل اطلاقها. وحسب منشورات معهد السلام في السويد لديها اليوم 80 قنبلة فقط. اذا كان هذا صحيحا، فالحديث يدور عن ترسانة يمكنها أن تضمن الردع الاسرائيلي، حتى لو أغلق المفاعل ولم يعد تنتج فيه مزيد من المواد المشعة. غير أن المفاعل، بقبته البارزة، هو ايضا رمز اسرائيل كقوة عظمى نووية. وعليه فستحاول اسرائيل تمديد حياة المفاعل قدر امكانها. ولكن سيأتي اليوم – وهو ليس بعيدا – الذي لا تكون فيه حتى أدوية «مضادات الشيخوخة» ناجعة.