من المؤكد أن قضية فلسطين تعيش منذ مدة غير قليلة في ادنى نقطة من خطها البياني الانحداري، منذ نشأتها وحتى يومنا هذا.
اذا كان انحدار القضية يتمثل في اكثر من عنصر واحد من عناصرها، فإن عنصر الانحدار الاول ينحصر في موقع القضية في أولويات البرامج السياسية لمختلف الأنظمة العربية الرسمية.
ومع أن حاكم مصر أنور السادات قد دشن في سبعينيات القرن الماضي مرحلة التنازل العلني عن القضية، منهياً بذلك عصر التنازل غير العلني، فإن شيئاً من الحياء كان ما زال يفصل بين الانظمة العربية وبين شعوبها، فاضطرت جميعها الى استنكار عنيف لتنازل السادات العلني، الى درجة إقرار سابقة في تاريخ جامعة الدول العربية، بإخراج مقرها من القاهرة ونقله الى تونس.
وبما ان هذه الحركة السياسية لم تكن إلا من باب التحايل والخداع، ليس أكثر، فقد كتبت يومها مقالاً عنوانه: «مصر هي آخر المتنازلين، وليست أولهم».
ومع غرابة هذا الكلام السياسي في حينه، فقد جاء تطور أحداث السياسة العربية بعد ذلك ليؤكد فحواه ولا ينقضه. حتى ان احد الساسة الاسرائيليين كان يعاتب الدولة الفرنسية عند إعلان احتمال طرح مبادرة فرنسية بحل القضية الفلسطينية عن طريق إنشاء دولة فلسطينية على حدود 1967، بالقول لفرنسا: «لماذا تصحون الجثث من رقادها، الا ترون العرب (يعني الأنظمة الرسمية) قد نسوا فلسطين، ولم يعد ذكرها يرد على ألسنتهم».
هذا عن العنصر العربي الرسمي في المسيرة الراهنة لقضية فلسطين، لكن موقف احد الانظمة العربية الرسمية هو الذي يتفرّد بدرجة الخطورة على مصير القضية، هو نظام السلطة الفلسطينية، ذلك أن بالإمكان انتظار تحسن مواقف بقية الانظمة الرسمية، خضوعاً لإيرادات شعوبها، اما النظام الفلسطيني الرسمي، فإنه قد وصل في تخاذله ازاء سلطة الاحتلال الاسرائيلي الى درجة تشكل خطورة تعادل التصفية التاريخية للقضية والتنازل التاريخي عنها.
أين تقف السلطة الفلسطينية بالضبط في هذه الأيام؟
لقد انتهت منذ تعديل ميثاق «منظمة التحرير الفلسطينية»، مرحلة تمسك النظام الرسمي الفلسطيني بشعار تحرير فلسطين، وسجل اعترافاً ضمنياً بما سلبه الكيان الصهيوني في العام 1948 من ارض فلسطين التاريخية، بما يفوق حصة اسرائيل في قرار التقسيم الجائر أصلاً.
انتهت مرحلة التحرير بالتنازل الفلسطيني الرسمي عنها، وبدأت مرحلة المناورات السياسية بشأن ما يمكن عمله لاستخلاص ما تبقى من فلسطين، وهي الارض التي احتلها الكيان الصهيوني في العام 1967.
لا يكفي هذا المقال لاستعراض تفاصيل ما تم من تصرفات السلطة الفلسطينية منذ مؤتمر مدريد في مطلع التسعينيات وحتى يومنا هذا، لكن خلاصة المشهد السياسي، تؤكد ان السلطة الفلسطينية قد تحوّلت في هذه المرحلة، خاصة بعد توقيع «اتفاقيات اوسلو»، الى مساعد سياسي لتثبيت اركان الاحتلال الاسرائيلي الذي تم في العام 1967، عن طريق مساعدة سلطة الاحتلال الاسرائيلية عملياً، عبر مواصلة تهويد القدس العربية والضفة الغربية، والسيطرة غير المباشرة على قطاع غزة.
ومن يرى مبالغة في هذا التوقيت لموقع السلطة الفلسطينية، ما عليه الا ان يراجع خلاصة الموقع السياسي لقائد السلطة (أبو مازن)، من هبة الشعب الفلسطيني الأخيرة، وهو موقف لا يفسر الا بأنه يطرح مساعدة سلطة الاحتلال على كبح جماح الهبة الشعبية.
إن مشروع حل قضية فلسطين عن طريق دولتين متجاورتين، قد انتهى عملياً، على أرض الضفة الغربية والقدس، وفي القاموس السياسي العلني للمسؤولين الإسرائيليين. والسلطة الفلسطينية اليوم تجد نفسها وقد فقدت، او تنازلت عن كل اوراق القوة التي تتيح لها الدفع العملي باتجاه إنشاء دولة على عشرين بالمئة من ارض فلسطين التاريخية، ناهيك عن حق عودة شعب فلسطين الى اراضي 1948، الذي اصبح حلماً مستحيلاً في القاموس الاسرائيلي، والعربي، وحتى الرسمي الفلسطيني.
عن السفير