لا نعلم كم من المسؤولين والقادة يتابعون الإحصائيات أو استطلاعات الرأي كي يستطيعوا بناء قرارات قائمة على المعلومة الصحيحة أو معرفة الاتجاهات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها في فلسطين، ولكن ما نعلمه فعلاً هو حجم التناقضات الثنائية أو الجماعية بين كثير من المسؤولين على قاعدة تضارب المصالح، ففي سبيل المصلحة الذاتية أو الشخصية كل شيء يمكن فعله جائز، ولو كان خارج الإطار القانوني أو المجتمعي. خلال الأسابيع الماضية أشارت استطلاعات الرأي إلى تغير كبير في مزاج الفلسطينيين، ومثل تلك النتائج لو أُخذ بها من صانعي القرار لأدت إلى إعادة النظر في كثير من القضايا التي هزّت الشارع الفلسطيني خلال الأشهر الماضية. آخر ما صدر من إحصائيات حول الواقع الفلسطيني هو تقرير لجهاز الإحصاء حول الوضع الاقتصادي ووضع العمالة في المجتمع الفلسطيني، وذلك لمناسبة الأول من أيار (عيد العمال العالمي). ومن أبرز نتائج التقرير "الإحصائي" أن ثلث العاملين في القطاع الخاص يتقاضون أقلّ من الحدّ الأدنى للأجور. أي أقل من 1450 شيكلاً شهرياً، أي أقل من 50 شيكلاً في اليوم الواحد. هنا نتحدث عن عشرات آلاف العاملين الذين يضطرون إلى أن يعيشوا بموازنة لا تقوم على الحد الأدنى للأجور، وإنما على شدّ الأحزمة على البطون. كثير من هؤلاء العاملين هم أرباب عائلات، ولو كان معدل أفراد عائلاتهم 4 أشخاص (الأب والأم وولدان) فذلك يعني أن كل فرد منهم مطالب بالعيش بمعدل 15 شيكلاً في اليوم، بما في ذلك المسكن والمأكل والملبس والمشرب و... وهذا ما يثير ليس الدهشة ولكن الغضب الحقيقي. علماً أن خط الفقر فلسطينياً للعام 2014 ـ على سبيل المثال ـ تقريباً 2400 شيكل لعائلة مكونة من 5 أفراد؛ ما يعني أن ثلث العاملين في القطاع الخاص هم تحت خط الفقر. علماً أنه في الجانب الإسرائيلي - الذي يماثلنا في كثير من أسعار المواد الأساسية - يصل خط الفقر لعائلة مكونة من 5 أفراد إلى 9200 شيكل... هنا لا يمكن إلاّ أن نقول إن الوضع أكثر من خطير. وعلى صعيد نسب البطالة، فإن تقرير الإحصاء يتحدث عن نسبة بطالة تصل إلى نحو 26% من حجم القوى العاملة، أي نحو 336 ألف متعطل عن العمل، منهم 143 ألفاً في الضفة الغربية و193 ألفاً في قطاع غزة والذي وصلت فيه نسبة البطالة إلى 41%. ومما لا شك فيه أن نسبة البطالة الأعلى هي بين الخريجين، وعلى الرغم من ذلك نشاهد الجامعات الفلسطينية تخرج أكثر من 20 ألف طالب سنوياً في تخصصات بعضها لم نعد بحاجة إليه لتشبع سوق العمل المحلية أو الخارجية بشكل كامل، بحيث لم يعد هناك مجال للتشغيل، وبعضها نسب التشغيل فيه لا تزيد على 1% وفي أحسن الأحوال 10%. ما يعني انضمام عشرات آلاف الخريجين إلى سوق البطالة. ربما كان أقوى دليل على ذلك هو المأساة التي نشاهدها سنوياً للمتقدمين لوظيفة معلم... فخلال السنوات الخمس الماضية على الأقل كان يتقدم ما معدله 50 ألف خريج لشغل وظيفة معلم على الرغم من أن حاجة وزارة التربية لا تزيد على 1500 في المعدل العام... إذاً إلى أين سيذهب عشرات آلاف الخريجين. ولماذا يتم الصرف عليهم لمدة أربع سنوات أو أكثر إذا كان مصيرهم في النهاية عدم الحصول على فرصة عمل في تخصصهم. بطالة الشباب هي، أيضاً، قنبلة في بركان على شفا الانفجار، فلا يمكن لخريج أن يظل سنوات يبحث عن فرصة عمل، بحيث لم يعد التخصص الذي تخرج منه مهماً للوظيفة، الكثيرون يضطرون للقبول بوظائف لا تحتاج في الأصل إلى مستوى جامعي أو حتى ثانوي. مثل عمّال البناء أو النظافة أو غيرها من هذه المجالات. أوضاع الشباب المتعطل وحالة الفقر الواسعة سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة... تنذر بالأخطر... المصيبة أن صانعي القرار يدركون خطورة الأمر، وهم كمن يحمل جسماً متفجراً بين يديه دون أن يعرف كيف يتخلص منه، أو حتى يقلل من الخسائر الناجمة عنه. هي لحظة تأمل في الأول من أيار، لعلّ من بيده القرار لا يصل إلى لحظة يقول فيها للبركان الثائر "الآن فهمتكم"!!!