بمجرد وجود تمثال نيلسون مانديلا في رام الله لن يتغير نمط تفكير أبناء المدينة وزوارها.
عندما كشف عن تمثال نيلسون مانديلا وجدت أناساً في ذات اليوم وبعده يفاخرون أن رمز الحرية ورمز الأسرى من أجل الحرية عندنا في رام الله، قابلت أناساً يناقشون بتعصب: لماذا لم يكن هذا التمثال للرمز والأيقونة فلان وعلان الفلسطيني؟ والبعض يرى في هذا الأمر ميزة تنافسية إضافية لرام الله.
على الأقل هناك ما يحدث في رام الله، هناك من هو معه وهناك من هو محايد، وهناك من يفكر بطريقة أخرى، على الأقل كان هناك ما يزيد على 350 مواطناً ومواطنة ينتظرون لحظة إزاحة الستارة عن التمثال وجلسوا ليستمعوا لكلمة رئيس البلدية وليشاهدوا فيلماً عن رام الله وآخر عن مانديلا، واستمعوا لجزء من كلمة رئيس بلدية جوهانسبرغ، وجميعهم كان فخوراً ببلديته ومدينته، وفخوراً بعلاقة التوأمة مع بلدية جوهانسبرغ، وفخوراً أيضاً بدقة التنظيم.
بتواضع بالنسبة لي لا تمر الأمور مر الكرام فقد أجريت نوعاً من البحث عن معلومات أساسية تسعف في النقاش حول (مانديلا في رام الله)...
لم تتكلف بلدية رام الله فلساً واحداً من وراء هذا الحدث المهم باستثناء إقامة الصوان والكراسي ونظام الصوت، أما ما يتعلق بالتمثال وشفره وتثبيته ووصوله إلى رام الله لم تتكلف به البلدية بفلس، بالتالي بطل الحديث عن الجانب المالي والأولويات وهذا ليس تخميناً بل معلومات.
لم تهمل بلدية رام الله رموزاً وطنية أو فكرية في تسمية الميادين، بدءاً من الرئيس المؤسس ياسر عرفات، مروراً بمحمود درويش وكريم خلف وجورج حبش وعزيز شاهين وبشير البرغوثي وأسماء قيادات عربية الملك عبد الله الثاني، وبالتالي لا يضر أن يكون هناك ميدان لنيلسون مانديلا وتمثال له كرمز من رموز الحرية والتحرر ومن الذين ذاقوا مرارة الأسر.
ودعوني أوجه سؤالاً صريحاً وواضحاً: لماذا تحمل رام الله مسؤوليات أكبر من حجمها كبلدية؟!
نعم بلدية رام الله مثلها مثل بقية بلديات الوطن وهي ليست الوطن وليست دولة قائمة بذاتها، ولا يعقل أن يكون جزاء مبادراتها وتميز بعض من أدائها - حتى لا يسوقوا فيها وتضيع حقوقنا فيها كمواطنين - أن نلقي على كاهلها مهمة الحفاظ على التراث الوطني والفكري والثقافي وإبداعات التسمية والترقيم والرمز البريدي ونظم المعلومات الجغرافية وعبء المدينة الذكية. هناك بلديات أخرى لديها ميادين قيد الإنشاء، هناك عشرات الميادين في مدن عدة غير مسماة.
لا بد أن نكون حريصين كل الحرص ألا نمارس عقلية الانفصام بحيث نقول شيئاً ونفعل شيئاً آخر. فَتَحْتَ يافطة نقاش تمثال نيلسون مانديلا نمارس حالة الانفصام كاملة، وفي آخر النهار نذهب نحو أصنامنا التي صنعناها بأيدينا لتشغلنا عن واجباتنا وتقديم العام على الخاص، وأصنامنا متعددة ومتنوعة ولكننا في النهار نشهر ما هو عكس حقيقة أصنامنا التي نعيش معها.
ومن أراد أن يستغل وجود تمثال نيلسون مانديلا لتوجيه الغمز واللمز تجاه السلطة الوطنية الفلسطينية لغرض في نفس يعقوب وتحت يافطات مختلفة فوزارات ومؤسسات السلطة لا علاقة لها بالأمر، بل إن هذه مبادرة محلية تقودها بلدية رام الله كهيئة حكم محلي تنتخب من مواطنيها وتُسأل منهم.
لن يشغلنا تمثال نيلسون مانديلا عن حبنا وتقديرنا لياسر عرفات ولا عن اهتمامنا بأسرانا الأبطال، ولن يغير من نمط حياتنا إذا لم يضف لها نكهة خاصة.
الشرطة والنيابة تُحققان في ظروف وفاة شاب بمدينة رام الله
02 أكتوبر 2023